أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي لعام 2025 حول الاتجار بالبشر، والذي تقيم فيه جهود الدول في جميع أنحاء العالم لمكافحة هذه الجريمة.
يتزامن نشر هذا التقرير مع مرور ربع قرن على صدور قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة وبروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر، المعروف باسم "بروتوكول باليرمو"، اللذين وضعا معايير عالمية لمواجهة العبودية الحديثة مثل العمل القسري والاتجار بالجنس.
يسلط إصدار عام 2025 من التقرير الضوء على العدد القياسي للضحايا الذين حُدِّدوا والمتاجرين الذين أدينوا في العام الماضي. وفقاً للبيانات، في عام 2024، أعلنت الحكومات عن أكبر عدد إجمالي من الضحايا الذين حُدِّدوا، بينما سجل العام نفسه أعلى نسبة إدانة للمتاجرين بغرض العمل القسري. ويشير هذا إلى زيادة قدرة الجهات المعنية على تحديد الضحايا ومحاسبة الجناة.
بحسب التقرير، توسعت الجهود الدولية في هذا المجال؛ حيث صارت 183 دولة الآن أعضاء في بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر. كما أن 138 دولة لديها قوانين شاملة لمكافحة الاتجار بالبشر، وأسست 155 دولة هيئات تنسيق وطنية لمواجهة هذه الظاهرة. وفي خطوة مهمة، أسست ست دول ومنظمات متعددة الأطراف مجالس استشارية للناجين، مما يعكس اعترافاً متزايداً بالدور القيادي للناجين في صياغة السياسات. ويحذر التقرير من أن الاتجار بالبشر لا يزال ينمو في الخفاء ويتخذ أشكالاً جديدة، مثل عمليات الاحتيال عبر الإنترنت واستغلال الضحايا في أعمال غير قانونية.
العراق.. زيادة في إدانة الجناة وتراجع في تحديد الضحايا
وفقاً للتقرير، بقي العراق في المستوى الثاني ضمن قائمة الدول التي تبذل جهوداً لمكافحة الاتجار بالبشر. وهذا يعني أن الحكومة العراقية لا تلتزم بالكامل بالحد الأدنى من المعايير، لكنها تبذل جهوداً ملحوظة. وكما ورد في التقرير، فقد زادت الحكومة العراقية من جهودها في التحقيق والمحاكمة في جرائم الاتجار بالبشر، خاصة التسول القسري وإصدار الأحكام بحق المتاجرين. كما درّبت المسؤولين على تحديد الضحايا ومساعدتهم. مع ذلك، أوضح التقرير أن الحكومة لم تطبق الحد الأدنى من المعايير في عدة مجالات رئيسة.
فقد انخفض عدد المشتبه بهم في قضايا الاتجار بالبشر الذين حوكموا وعدد الضحايا الذين حُدّدوا، مقارنة بالعام السابق. إحدى المشكلات الرئيسة هي أن قضاة التحقيق لا يزالون الجهة الوحيدة المخولة بتحديد الضحايا رسمياً، مما حدّ من جهود الحماية.
كما تفتقر الحكومة إلى ملاجئ خاصة بالأطفال الضحايا، والوصول إلى الملاجئ محدود لبعض الفئات الضعيفة. خلال فترة التقرير، جرى التحقيق مع 3182 مشتبهاً بهم في قضايا الاتجار بالبشر، من بينهم 2695 مرتبطون بالعمل القسري. وأدانت الحكومة 388 تاجراً، بينما كان العدد 295 شخصاً في عام 2024.
وفي إقليم كوردستان، جرى التحقيق في 13 قضية لمشتبه بهم، وصدرت أحكام بحق أربعة متاجرين. يشير التقرير أيضاً إلى أن الفساد وتورط مسؤولين حكوميين في جرائم الاتجار بالبشر لا يزالان مصدر قلق كبير.
واصلت الحكومة جهودها لحماية الضحايا. في عام 2024، وقد حددت وزارة الداخلية العراقية 223 ضحية، وهو عدد أقل من 335 ضحية في عام 2023. أما في إقليم كوردستان، فقد حُدّد 73 ضحية، لكن لم يُحدَّد أي طفل بصفته ضحية للاتجار الجنسي. لدى الحكومة العراقية عدة ملاجئ للضحايا، لكن الوصول إليها محدود ويتطلب قراراً قضائياً. وفي إقليم كوردستان، يوجد ملجأ واحد فحسبُ، مخصص لضحايا الاتجار بالبشر، تديره منظمة غير حكومية. كثفت الحكومة جهودها لمنع الاتجار بالبشر. وقد استكملت خطة العمل الوطنية 2023-2026 ونفذت عدة حملات توعية. كما أنشأت خطاً ساخناً على مدار 24 ساعة لتلقي المعلومات حول الاتجار بالبشر، لكنه متاح باللغة العربية فحسب.
يؤثر الاتجار بالبشر في جميع المجتمعات في العراق. يستغل المتاجرون الضحايا المحليين والأجانب داخل العراق وخارجه. ويُعدّ النازحون واللاجئون والنساء والأطفال والعمال الأجانب من بين الفئات الأكثر ضعفاً. ولا تزال الفتيات والنساء الإيزديات اللواتي سبق أن اختطفهن تنظيم داعش في خطر. كما تستغل الجماعات المسلحة الاطفالَ في العمل القسري.
إيران: اضطهاد مدعوم من الدولة
في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر، واجهت إيران انتقادات حادة وصُنفت رسمياً في المستوى الثالث (Tier 3)، وهو أدنى مستوى تصنيف.
اتهم التقرير طهران بالفشل الذريع في تلبية الحد الأدنى من المعايير الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر، وأشار إلى أدلة موثوقة على تورط مباشر لمؤسسات حكومية في العمل القسري، والاستغلال الجنسي، وتجنيد الأطفال. أكدت جماعات حقوق الإنسان، أن الجمهورية الإسلامية "لم تتخذ أي خطوات ملموسة لحماية الضحايا"، وبدلاً من ذلك، تواصل بشكل منهجي استغلال الفقراء والضعفاء لأغراض سياسية واقتصادية.
سلط التقرير، الضوء بشكل خاص على دور الحرس الثوري الإيراني (IRGC)، الذي تفيد المعلومات بأنه أجبر النساء والأطفال الإيرانيين واللاجئين على العمل القسري في مشاريعه الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، تورط في ممارسة الاستغلال الجنسي. أدت المصاعب الاقتصادية العميقة، الناجمة عن العقوبات الدولية وسوء الإدارة، إلى جانب القمع السياسي المستمر، إلى تفاقم الوضع بشكل كبير. ومع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، يقع العديد من المواطنين الإيرانيين، وخاصة الشباب، في فخ شبكات الاتجار التي تَعِدُهم بوظائف أفضل وحياة أفضل في الخارج.
في الوقت نفسه، فإن اللاجئين الأفغان داخل إيران معرضون للخطر بشكل خاص، حيث تشير التقارير إلى أن الحرس الثوري جَنّدهم قسراً في الجماعات المسلحة التابعة لإيران في سوريا ومناطق أخرى، مقابل منحهم حق الإقامة أو مقابل مبالغ مالية. يستمر الاتجار الجنسي على نطاق واسع في إيران، لكنه غالباً ما يكون مخفياً خلف الأبواب المغلقة للمنازل الخاصة أو عبر الشبكات الاجتماعية والإنترنت، مما يجعل إلقاء القبض على الجناة أكثر صعوبة.
روت إحدى الضحايا الناجيات، التي وردت شهادتها في تقرير وزارة الخارجية الأميركية، قائلة: "الضحايا لا يواجهون الاعتداء فحسب، بل يجدون أنفسهم محاصرين بديون وهمية يفرضها عليهم المتاجرون لم يوافقوا عليها قَطّ، أو يتعرضون للتهديد بإيذاء أفراد عائلاتهم إذا حاولوا الهرب".
مع أن إيران شاركت في مؤتمر إقليمي لمكافحة الاتجار بالبشر في وقت سابق من هذا العام وتعهدت بالتنسيق، إلا أنها لم تنفذ حتى الآن أي إصلاحات ذات مغزى في قوانينها وإجراءاتها. تجاوزت أزمة الاتجار بالبشر في إيران حدود البلاد، حيث تستهدف عمليات الاحتيال عبر الإنترنت المرتبطة بالعمل القسري في مراكز خدمة وهمية ضحايا من دول آسيوية وأوروبية أخرى وتخدعهم، مما وسع نطاق مخاطر هذه الظاهرة إلى مستوى عالمي. تتعرض الفئات الضعيفة بشكل خاص للخطر، لا سيما ملايين المهاجرين الأفغان الذين يعيشون في البلاد دون وثائق رسمية، والجماعات العرقية والدينية مثل الكورد والبلوش. وغالباً ما يواجه هؤلاء الأفراد الاستغلال في أماكن العمل، والتلاعب بهم بالدَّيْن، والتهديد بالترحيل أو العقاب إذا تقدموا بشكاوى.