14 Dec
14Dec


حسين القاصد 

في قوله تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، وردت كلمة الأسماء معرفة بأل، لكن آدم والملائكة لا يعرفونها، واللحظة هي بداية التعارف بين آدم والموجودات من حوله؛ وعلى الرغم من أن آدم لا يعرفها لكنها وردت معرفة بأل، لأن الله عز وجل قام بتعليم آدم، لذلك هي في موضع الكلام عن آدم ظهرت معرّفة؛ لكن حين صار الكلام موجها للملائكة وجب التنكير الضمني حيث قال ( أنبئوني بأسماء هؤلاء) فأسماء جاءت بصيغة التنكير أو المعرفة المتكئة على الإشارة التي لا يراها من لم يكن موجودا في لحظة التعليم، ومع أن الله عز وجل قال( أسماء هؤلاء) لكن حتى الإشارة لم ترفع المبهم إلى رتبة الواضح.

النكرة أو الشيء المبهم ليست سبةً أو أقل رتبة من المعارف، فأعظم الأشياء هي تلك التي لا نراها ولا نعرفها.بعض الأسماء المبنية لها رتبة البناء على المعرفة، فكلمة: أمسِ مبنية على الكسر وفر لها البناء منزلة المعرفة، لأنك لو قمت بإضافة أل التعريف إلى كلمة ( أمس) ستجردها وتجعلها نكرة معنويا وليس نحوياً؛ لأنك لو قلت: قرأت الكتاب أمسِ،  سنفهم أنك قرأته في اليوم الذي سبق هذا اليوم، لكن حين تقول: قرأته في الأمس، سيكون الوقت مفتوحا عائما قد يمتد لألف عام ومن ذلك قول الشاعر أحمد الوائلي:بغداد يومك لا يزال كأمسهصورٌ على طرفي نقيضٍ تجمعوأمس بغداد هنا معرفة مجهولة فقد يصل أمسها إلى بداية العصر العباسي.

تعريف الكلمة أحيانا يغرق في مجهوليتها، فإذا قلت لك: في الأمس القريب ستذهب باتجاه السنين التي مضت وليس باتجاه اليوم الذي سبق كلامي هذا.

وإذن، التعريف أحيانا يسهم في التعتيم، ويغرق في إبهام الكلمة.نرى كل يوم لافتات مكتوب عليها من أجل بغداد أجمل، وكل من يقرأ هذه العبارة يتجنب تحريك بغداد، فإذا قال ( بغدادَ) بالفتح، فهي بغداد المعروفة لديه، لكنه يريد ( بغداداً) أخرى أجمل، لذلك يجب التنوين فلم تعد ممنوعة من الصرف لأننا لا نعرفها هذه التي هي أجمل وننتظر أن نراها ونعرفها وعند ذلك نمنع عنها التنوين.

أعود إلى الآية الكريمة التي بدأت مقالي بها، ففي قوله علم آدم الأسماء، لم يذكر الأفعال، لأن الفعل يدل على الحركة فكيف يبدأ الحركة والفعلية من لا يعرف الأسماء؟ لكن الله عز وجل، ما أن علم آدم الأسماء، بعدها مباشرة بدأت الفعلية الحركية، فقال انبئوني ولأنهم لم يعرفوا أي اسم لم ينطقوا بأي فعل، بل قالوا سبحانك لا علم لنا، بعدها بدأت أفعال الحياة فسجدوا إلا ابليس.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن