03 Sep
03Sep


الغناء أو الأغنية تعني الشعر، لأن العرب تسمي الأشياء بأصواتها؛ ولم تكن ( الأغنية) تطلق على ما نعرفه الآن، فقد قال أبو الطيب العظيم:

أَبا المِسكِ هَل في الكَأسِ فَضلٌ أَنالُهُ         فَإِنّي أُغَنّي مُنذُ حينٍ وَتَشرَبُ

 وقال أيضا:

بيني وبينك ألف واش ينعب                فعلام أسهب في الغناء وأطنب 

صوتي يضيع ولا تحس برجعه                ولقد عهدتك حين أنشد تطرب 

وكتاب الأغاني هو كتاب القصائد، فالغناء بوح وجداني وصوتٌ معبر عن خوالج النفس، وهو بذلك يعني الشعر نفسه، ولا أغنية من دون شعر، مثلما لا طفل من دون أبوين.

هكذا هو الإنسان العربي يعتمد محاكاة الأشياء في إطلاقه التسميات؛ فالشعر توزع على بحور، والبيت الشعري توزع على أجزاء الخيمة.

وبصورة أدق لنا أن ندقق في كل التسميات لأن الإنسان صديق الموجودات، وعدوها في الوقت نفسه.على الرغم من امتلاك الإنسان العقل واللغة، إلا أنه ظل يشعر بالنقص تجاه الموجودات، فهو شامخ كالجبل، وظل كذلك، حتى بعد أن داس الجبل بقدميه، وسحق رأسه، واستمر مفتخراً بأنه شجاع كالأسد على الرغم من تمكنه من حبس الأسد في مكان واحد مع الحمير!! في حديقة الحيوانات.

اللغة بنت المجاورة النسقية وهي غريزة مثل الجوع والعطش؛ وهي احتياجٌ قاتل؛ وأقول: قاتل، لأنك ترى وتشعر بغضب الأخرس لأنه لا يستطيع الكلام، فالكلام عملية تنفس للروح لا الجسد، وهو غريزة وشهوة روحية عارمة.

لكن القاموس أو المعجم لا يتسع للمجاورات، فحين رأى الإنسان البنايات الشاهقة سماها ناطحات السحاب، والفعل ( نطح) تم ترحيله من الثور إلى البناية العالية.لقد وردت كلمة ( سيارة) في سورة يوسف، وهي صيغة مبالغة من الفعل (سار) وتطلق على القوم السيارين، لكن بعد ظهور السيارات التي نعرفها تم ترحيل الدلالة لتقتصر على وسيلة النقل التي نعرفها الآن.

ولأن النقد الأيكولوجي حاكم بقوة، لأنه يبحث في البيئة المهيمنة بل الصانعة الصاقلة المدجنة المرسخة للإنسان، ولأن صراعات الطبقية لن تندثر مهما ادعى الإنسان ( الأنسنة) والترفع، فإن ترحيلاً دلاليا جورايا نسقيا اعتمد المشترك النسقي الثقافي في التلقي، دفعنا هذا الترحيل إلى أن نطلق على عملية إكساء الطرق بالأسفلت اسما نسقيا، فصرنا نقول: تعبيد الطرق.ف

لا وفق الله معروف الرصافي حين قال:

وتكره روحي كل شيءٍ مذللٍ                    وقد كرهت حتى الطريق المعبدا

بيتٌ بمنتهى الدونية، فكيف لك أن تعشق الخال أو ( الشامة) في وجه الحبيبة وتكره طريقاً نظيفاً.

٢ / ٩ / ٢٠٢٥

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن