16 Sep
16Sep


حسين القاصد

أحيانا يكون المحل من الإعراب خادعاً ثقافيا، بل يحدث ذلك في أغلب الأحيان؛ و قبل الخوض في ما أنا بصدده لنا أن نقف عند بيت شاعر العصور أبي الطيب المتنبي:

لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ 

أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ 

و ( أدنى) الأولى تعني أقل شأنا أو أضعف ضيغم، وهي ليس من الظرف بشيء، بينما نجد أن ( أدنى) الثانية تمثل ظرفاً مكانيا، تعني القرب من الشرف.

جئت بهذا المثال لكي أناقش ما قاله د. فاضل السامرائي في تفسير الآية الكريمة ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها...) حيث وقع د. السامرائي بفخ الرتبة النحوية ( فوق = ظرف مكان)، فقال: فما فوقها قد تستعمل للزيادة بالحجم، ثم أردف قائلا: ( أو قد تستعمل للزيادة في الوصف مثل  قولنا: حقير و فوق الحقير)، والدكتور السامرائي في هذا الموضع ناقل لما ورد في بعض تفاسير اللغويين، وهي كثيرة، منها ما يتفق مع رأيه ومنها ما يختلف.

لكن، لماذا لم ينتبه أحدهم بل حتى د. السامرائي لأصل الكلمة ( فوق)، ومن أين أتت؟ عندها سيصل للنتيجة من دون رطانة وتبذير لغوي!!.

( فوق) الظرفية أو الرتبوية ( من الرتبة) لها أن تكون مفعولا مطلقاً فينتهي الأمر.(فاق) فعلٌ ماضٍ ومضارعه ( يفوق) والمفعول المطلق منه هو ( فوق)، لكن ( فوق) استقرت نسقيا على الظرفية والرتبة، وبذلك يكون المعنى المراد بقوله تعالى ( فما فوقها) هو ما يفوقها.عندها لا نحتاج للتأويل والخيارات، فللبعوضة  ما يفوقها ( بعوضياً) حتى في الكنايات.

أما في شرحه الآية الكريمة ( الأعراب أشد كفراً) قال د. فاضل السامرائي:  المراد بالأعراب هم ( البدو) وأرى أن الدكتور ذهب بعيدا وركض مسرعا خلف المفسرين، وكان الأولى به أن ينتبه أن ( الأعراب) جمع قلة، وهؤلاء القلة من العرب هم أشد كفراً، وليس لنا أن نخرجهم ونقوم بتبيئتهم مكانياً وإيكلوجياً، لأنهم من العرب لكنهم على قلتهم أشد كفراً ونفاقاً.

١٥ / ٩/ ٢٠٢٥

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن