عمل ميداني شاق، شغف متجذر، وتعاون دولي يعيد الحياة إلى إرث نينوى الضائع
المواطن / قاسم الكعبي
“نحن لا نحمي حجارةً فقط، بل نحرس هوية أمة.” بتلك الكلمات يلخص مفتش آثار نينوى مهمة حياته، التي تبدأ تحت وهج الشمس في مواقع التنقيب، ولا تنتهي إلا حين يُعاد للتراث العراقي مجده ومكانته. يقول الاستاذ رويد موفق محمد ، وهو خريج قسم الآثار بكلية الآداب للعام الدراسي 2000–2002: “اختياري لهذا التخصص لم يكن مصادفة، بل بدافع قناعة راسخة بأهمية التراث العراقي، ودوري كمختص في صونه وحمايته.”
منذ تخرجه، لم يكن الطريق مفروشاً بالسهولة؛ بل تراكمت لديه خبرات كبيرة من خلال مشاركته في المسوحات والتوثيق والمرافقة الميدانية للبعثات الأجنبية. مواقع نينوى الأثرية: لكل حجر حكاية يرتبط المفتش بالمواقع الأثرية في نينوى برابط وجداني يتجاوز حدود العمل الإداري.
“كل موقع عملت فيه أضاف شيئاً لمسيرتي”، يقول، ثم يتوقف قليلاً ليتحدث عن الحضر ونينوى الأثرية، التي يعتبرها الأقرب إلى قلبه لما تحمله من رمزية تاريخية ومسؤولية ميدانية جسيمة. البعثات الأجنبية… جسور للتعاون وخبرات متبادلة عمل المفتش مع بعثات أجنبية مرموقة، منها البعثة الإيطالية في الحضر، والألمانية في تل قوينجق، والكندية في بوابة شمس، بالإضافة إلى البعثة الفرنسية في خورسيباد.
ويضيف: “هذه التجارب عمّقت من رؤيتي المهنية، وأسهمت في تطوير مهاراتي الفنية والعلمية.” كما شارك في دورات تدريبية في إيطاليا وألمانيا، ونشر أربع مقالات علمية دولية. أعمال الحفر والترميم… جهود متكاملة لإحياء التراث البعثات الأجنبية العاملة في نينوى تقوم بالتنقيب، التوثيق، الترميم، والنشر العلمي، إلى جانب تدريب الكوادر العراقية. “نعمل معاً تحت إشراف مفتشية آثار نينوى والهيئة العامة للآثار والتراث، وفق ضوابط قانونية صارمة”، يوضح المفتش. تحديات جمّة… وصمود لا يلين لا يخفي المفتش الصعوبات الكبيرة التي تواجه عملهم، من تعديات عشوائية على المواقع، إلى التحديات الأمنية واللوجستية، خصوصاً في المناطق النائية.
لكنه يردف بثقة: “إيماننا بضرورة حماية هذا التراث هو ما يمنحنا القوة للاستمرار.” النمرود تنهض من الركام من أبرز محطات العمل الحالية، مدينة النمرود، التي تعرضت لتدمير ممنهج على يد تنظيم داعش.
“تمكنا من إنقاذ 35 قطعة أثرية وتوثيق أكثر من 900 لوح مداري”، يقول. أعمال الترميم لا تزال مستمرة، وهناك خطة لتحويل النمرود إلى موقع أثري وثقافي عالمي. متحف الموصل… جراح تُرمم بحب الوطن متحف الموصل، الذي تأسس عام 1950، تعرض لتخريب واسع، لكن جهود إعادة التأهيل بدأت عام 2018 بدعم من منظمة “اليونسكو” والوزارة المختصة.
“نعمل على إعادة القطع الأثرية الشهيرة مثل الثيران المجنحة وأسد النمرود”، يوضح المفتش. خريطة أثرية جديدة… من الرماد إلى الأمل بعد تدمير الأرشيفات والخرائط أثناء فترة داعش، بدأت المفتشية تنفيذ مسوحات أثرية حديثة باستخدام نظم GIS وGPS، مما أسفر عن توثيق عشرات المواقع غير المسجلة سابقاً.
دعم الوزارة… دفعة قوية نحو الأمام يشير المفتش إلى أن الدعم الوزاري كان حاسماً في تسريع الإجراءات الإدارية وتوفير المستلزمات الميدانية، لا سيما في مشاريع النمرود وسور الموصل.