04 Sep
04Sep

تواجه محافظة ذي قار، جنوبي العراق، أزمة بيئية ومعيشية حادّة جرّاء تداعيات الجفاف وانخفاض مناسيب المياه، ما ينعكس سلباً على حياة سكان الأهوار وسط غياب الحلول الحكومية الناجعة.

 وسجّلت الجهات المحلية في المحافظة نفوق أكثر من 14 ألف رأس من الثروة الحيوانية خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة شحّ المياه وارتفاع درجات الحرارة ونقص الأعلاف، فيما تدهورت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي كانت تشكل العمود الفقري لاقتصاد المحافظة، وكانت توفّر مصدر رزقٍ لآلاف العائلات.

 ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ اضطرّت أكثر من عشرة آلاف عائلة ريفية إلى النزوح نحو أطراف المدن، تاركةً خلفها قراها ومزارعها هرباً من العطش وفقدان مصدر العيش. 

وتشير التقديرات إلى أن الإنتاج الزراعي في ذي قار تراجع بما يزيد على 50% خلال العامين الأخيرين، ما يعمّق مخاطر الأمن الغذائي على مستوى المحافظة والبلاد عموماً. وتُعدّ أهوار جنوب العراق، ولا سيّما أهوار محافظة ذي قار، من أهم البيئات الطبيعية في الشرق الأوسط، وقد أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عام 2016 على لائحة التراث العالمي، نظراً لما تحمله من قيمة بيئية وتاريخية.

وفي السياق، أكد معاون محافظ ذي قار حيدر سعدي أنّ أهوار المحافظة تشهد موجة نزوح جماعي "غير مسبوقة"، حيث أُجبرت أكثر من عشرة آلاف عائلة على ترك قراها والانتقال نحو المناطق القريبة من الأنهار أو مراكز المدن، بسبب تفاقم الجفاف وشحّ المياه. 

وأوضح سعدي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الجهات المختصة سجّلت أيضاً نفوق أكثر من 14 ألف رأس من الجاموس، الذي يُعدّ المصدر الأساسي للرزق بالنسبة لسكان الأهوار، مشيراً إلى أن ما يحدث لا يقتصر على الخسائر الاقتصادية المباشرة، بل يشكل تهديداً خطيراً على الأمنين الغذائي والاجتماعي في جنوب العراق. 

وأضاف سعدي أنّ الصيادين تركوا مهنة الصيد التي ورثوها جيلاً بعد جيل، في حين لجأ آخرون إلى البحث عن أعمال هامشية في المدن بعدما فقدوا مصادر رزقهم الطبيعية، ودعا إلى التحرك الفوري ووضع خطط عاجلة لإنقاذ ما تبقّى من بيئة الأهوار، من خلال تأمين حصص مائية كافية، وتعويض العائلات المتضرّرة، وإنشاء برامج لدعم استقرار السكان المحليّين، محذّراً من أنّ استمرار الأزمة قد يؤدّي إلى تداعيات بيئية واجتماعية بالغة الخطورة. 

وأكد سعدي أنّ الأهوار تُعدّ واحدة من أهم النّظم البيئية في العالم، وأنّ تسجيلها على لائحة التراث العالمي لمنظمة "يونسكو" يجعل فقدانها تهديداً كبيراً للتراث الطبيعي والثقافي للمحافظة وللعراق بأسره، مطالباً باتّخاذ إجراءات عاجلة تحمي هذا الإرث الحيوي وتضمن استدامة حياة السكان المحليّين. 

من جانبه، أفاد المتخصّص بشؤون المياه صالح هادي بأنّ موجة الجفاف وشحّ الموارد المائية أدّت إلى هجرة عدد كبير من المزارعين، وانهيارٍ شبه كامل للبنية الزراعية في مختلف مناطق المحافظة، ما جعل مساحات واسعة من الأراضي غير صالحة للزراعة، وأكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ نفوق آلاف المواشي حرَم العديد من العائلات الريفية من مصدر رزقها الأساسي، ودفعها نحو دائرة الفقر المدقع والمعاناة المعيشية. فقد تسبّب هذا الواقع بنزوح مئات العائلات من قراها بحثاً عن فرص عمل ومصادر دخل بديلة، ما زاد من الضغط على الخدمات العامة في المناطق الحضرية ورفع معدلات الفقر والبطالة بين السكان.

وناشد هادي الحكومة العراقية التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقّى من الأراضي الزراعية، ودعم المزارعين المتضرّرين وتعويضهم خسائر المواسم الماضية، ووضع خطط استراتيجية طويلة الأمد لمواجهة آثار تغيّر المناخ والجفاف في جنوب العراق، ونبّه إلى أنّ استمرار موجة الجفاف بهذه الوتيرة من دون اتّخاذ إجراءات عاجلة قد يؤدّي إلى كارثة إنسانية حقيقية، مؤكداً أنّ الأزمة لا تهدّد الزراعة والثروة الحيوانية فحسب، بل تؤثر أيضاً على استقرار المجتمعات المحلية ومستوى معيشة آلاف الأسر في ذي قار.

بدورها، حذّرت النائبة في البرلمان العراقي عن محافظة ذي قار علا الناشي من المخاطر المتصاعدة لأزمة الجفاف التي تضرب الأهوار في المحافظة، داعيةً إلى التحرك الفوري لإنقاذ السكان المتضرّرين من كارثة وشيكة قد تهدّد حياتهم ومعيشتهم، وأكدت في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ موجة الجفاف الحالية أدّت إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك التي يعتمد عليها الأهالي مصدراً أساسياً للرزق، إلى جانب خسائر فادحة في الثروة الحيوانية، ما يجعل حياة سكان الأهوار مهدّدة بشكل غير مسبوق ويضع آلاف الأسر في ظروف معيشية قاسية ومزرية. وأوضحت أنّ الصيف الحالي شهد أدنى مناسيب للمياه منذ سنوات، ما تسبّب بجفاف مساحات واسعة من الأهوار وتحوّلها إلى أراضٍ يابسة، مشيرةً إلى أنّ هذه التطورات تهدّد الأمن الغذائي في المحافظة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسكان المناطق المتضرّرة.

 وطالبت الناشي الحكومة بإطلاق خطة طوارئ عاجلة لإنقاذ السكان المتضرّرين ودعمهم، إلى جانب وضع حلول استراتيجية طويلة المدى لمعالجة شحّ المياه المستمر في المحافظة، بما يشمل تأمين حصص مائية كافية للأهوار، وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتضرّرة، وإطلاق برامج لدعم استقرار السكان المحليّين، وضمان الحفاظ على الإرث الطبيعي الفريد.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن