د. محمد مرعي الخزاعي
أولاً : أن نية المباغتة وتحقيق المفاجأة الزمنية تُعدُّمن أهم أركان العقيدة العسكرية الامريكية والاسرائيلية ، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بهجوم استباقي ضد برنامج نووي مثل البرنامج النووي الإيراني ، أو هجوم يقوض اركان نظام سياسي، وهذا ما تسعى إليه كلٌ من امريكا واسرائيل تجاه إيران. والمباغتة في الوقت تعني تحقيق عنصر المفاجأة في التوقيت ، عبر ضرب العدو عندما لا يُتَوقَع الهجوم، وفي لحظة انشغاله داخلياً أو خارجياً مع تكتم استخباراتي وتهيئة ميدانية هادئة، أو انشغاله بأمور لا يتوقع خلالها هجوماً معادياً ، أمثال المساعي الدبلوماسية ، أو تحديد مدة زمنية لعمل ما.
(والمباغتة) لا تعني العمل بدون مؤشر ، بل تعني العمل في لحظة تبدو فيها المؤشرات عادية أو مشتتة أو معكوسة ، لذا فأن الضربة تأتي حين يظن الجميع أن الحرب مستبعدة، أو تكون الجبهات الأخرى (غزة ولبنان) في تهدئة نسبية أو يبدو أن واشنطن منشغلة بملف آخر مثل (الصين وروسيا) .
أن مدة الخمسين يوماً ليست رقماً عشوائياً بل أنها تستند إلى ثلاثة اعتباراتٍ:
1. التقديرات السابقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية(IAEA) : تحتاج إيران لعمل متواصل لمدة خمسين يوم للوصول إلى يورانيوم عالي التخصيب (90%) لإنتاج سلاحاً نووياً.
2. الإطار الزمني المقترح للمفاوضات وفقاً للمبادرات الأوربية السابقة يتراوح بين
(30 – 60 ) يوم ، ومدة الخمسين يوم هي متوسط المدد السابقة.
3. يمكن أن تكون المهلة محسوبة لغرض الاستعداد العسكري الاسرائيلي الامريكي (إعادة تموضع ، تجميع ذخائر ، ...الخ) .
ثانياً: أهداف ومؤشرات نية المباغتة هي واحد من احتمالين :
الاحتمال الأول : ممارسة ضغط سياسي لأنتزاعتنازل من إيران :فالمهلة قد تكون جزء من مناورة (حافة الهاوية) (Brinkman ship) والذي يعني مفهومها ببساطة الضغط الشديد على إيران لدفعها تقديم تنازل كبير (تسليم اليورانيوم ، وقف التخصيب ، فتح المواقع أمام لجان التفتيش) بدون الحاجة إلى حرب ، وبهذه الطريقة تظهر الولايات المتحدة والدول الغربية وكأنها قدمت فرصة حقيقية للسلام تمهيداً لأي عمل عسكري حال الرفض، والمعطيات الحالية للسياسة النووية الإيرانية تؤكد الرفض.
أن هذا النوع من التهديد يستخدم كثيراً قبيل عمليات المباغتة (Pretext for strike) مثلما حدث قبيل غزو العراق عام 2003 حين اعطيت لصدام مهلة لتسليم اسلحة مزعومة.
الاحتمال الثاني : تمهيد لعمل عسكري أن لم تستجب إيران :أن لم تستجب إيران خلال المهلة فأن الحديث عن عودة العقوبات تلقائياً (Snap back) قد يكون الغطاء السياسي والشرعي في نظر الغرب لتوجيه ضربة عسكرية محدودة. إسرائيل تُعْرَف بسياستها الاستباقية في توجيه الضربات، وسبق لها أن قصفت منشآت نووية في العراق (مفاعل تموز) عام 1981 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، بالرغم من أنه كانت هناك تفاهمات بين الحكومة العراقية واسرائيل عن طريق الدبلوماسي في وزارة الخارجية حينها (نزار حمدون) كوسيط لتبادل رسائل سرية عن طريق طرف ثالث بين العراق واسرائيل تقضي بعدم تعرض العراق لهجوم اسرائيلي مادامه منشغلاً بالحرب مع إيران.
كما قامت اسرائيل بالهجوم على (مفاعل الكُبَر) السوري عام 2007 والمفاعلات النووية الإيرانية واهداف إيرانية مهمة في حرب الاثني عشر يوماً 2025 ، لذا لا يستبعد قيام اسرائيل بضربة استباقية مباغتة اثناء المهلة المعطاة لإيران .
ثالثاً: المؤشرات على نية الضربة
1. بتاريخ 29 يونيو / حزيران تناقلت كل من قناة العربية وقناة عكاظ تصريحات مستشار المرشد الأعلى لإيران السيد علي لاريجاني ، ومن بينها تلقيه تهديد بالقتل من قبل الموساد، ومن المعروف أن علي لاريجاني ليس شخصاً تنفيذياً حالياً، بل يمثل مركز القرار الاستراتيجي المرتبط مباشرة بالمرشد ، وأن صحت هذه الرسالة ، فهذا يعني أو يوحي بأن القرار الإسرائيلي بلغ مرحلة (ما قبل الضربة) ، وأن تهديد لاريجانييتزامن مع عوامل ميدانية استخباراتية مثل زيادة الطلعات الجوية في سوريا والعراق،وتحريك قطع بحرية شرق المتوسط ، استنفار جوي في قواعد أمريكية في الخليج .
2. بتاريخ 8 يوليو / تموز نقلت صحيفة (Time Magazine) كيف زعزعت الضربة الإيرانية استقرار الخليج ، وعلى أثر ذلك عقدت حوارات واجتماعات سرية تناولت تبادل تنسيق استخباراتي ، وسُمِحَ بنشر مسؤولين من الاستخبارات الاسرائيلية في قطر. ويعتبر هذا الحراك مهماً لأنه يساهم في ردع هجومي - دفاع– ثلاثي (امريكي – اسرائيلي – خليجي) ضد التهديد الإيراني، إضافة إلى أنه يوفر شرعية دبلوماسية في المواقف المتشددة ، ويدعم أحتمالية تنفيذ ضربات دقيقة ضد إيران وأذرع محور المقاومة، إضافة إلى أنه يمكن من المراقبة المستمرة والمتواصلة للتهديدات القادمة من إيران (صواريخ – طائرات مسيرة – هجوم سيبراني) وتنسيق دفاع مشترك.
رابعاً: هل الضربة قريبة ؟ لا يمكن أن تبقى امريكا واسرائيل في حالة عدم الارتياح الناتجة من قلق دول الخليج على أمنها نتيجة لما افرزته حرب الاثني عشر يوماً من توازن الردع أو ميل الميزان لصالح إيران، لذا لابد من الرد ، وافضل الرد في المباغتة وتحقيق ضربة فجائية، فوقتما وجدت كل من امريكا واسرائيل فرصة مناسبة – عند انكشاف الهدف – لإيقاع أكبر خسائر في النظام السياسي الإيراني كأغتيال كبار القادة السياسيين والعسكريين أو لتدمير البرنامج النووي ، تنفذ الضربة المفاجئة ، وأن لم تكن الضربة خلال مدة المهلة فأن أي عمل عسكري مفاجئ لا يتأخر لأكثر من نهاية سبتمبر / أيلول أو مطلع أكتوبر / تشرين الأول من عام 2025 وهذا التوقيت مهم جدألأن امريكا قادمة على الانتخابات النصفية للكونغرس عام 2026 (الانتخابات نصف الدورية Midterms) وتشمل جميع مقاعد الكونغرس ومناصب حكومية تشريعية محلية وفيدرالية وقد يستخدم بعض الساسة الحرب لتحسين شعبيتهم .