05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
28 May
28May

منتصر صباح الحسناوي


في الأزمنةِ الماضية، كان التأثير على وعيِ الناس يُبنى عبرَ منابرَ محدودة، تُدارُ من أعلى وتُستقبلُ من دون مساءلة. أما اليوم، فقد تبدّلت المعادلة بالكامل، السلطة الرمزية أصبحت في متناول من يخاطبون الناسَ كلَّ يومٍ من شاشاتهم الصغيرة، بكلماتٍ قصيرة وصورٍ عابرة ونبرةٍ مألوفةٍ تدخلُ البيوتَ بألفة. إنّهم المؤثرون، صنّاع الرأي الجدد ومهندسو المزاج الجمعي في زمن السرعة.

المؤثر هو الشخص الذي يمتلك قدرةً على التأثير في آراء الآخرين وسلوكهم من خلال محتوى رقمي منتظم، لا يُشترط أن يكون خبيراً أو إعلامياً محترفاً، إنما يمتلك أدوات الحضور الرقمي والتفاعل العاطفي مع جمهوره والشعور بالانتماء إلى محيطه. وتتعدد مجالات التأثير بين الجمال والتقنية والثقافة والسياسة، وفق ما يحمله المؤثر من أسلوب ورسالة.


في العراق، ظهرت نماذج متعددة من المؤثرين، بعضهم بنى جسوراً من الوعي وساهم في تنمية الذائقة العامة وآخرون انجرفوا مع تيارات الصخب الرقمي، يقدّمون التفاهة والإثارة كحقائق ويُغذّون حالة من التوتر والانفعال الجمعي. 

غير أن الظاهرة ليست محلية فقط، فالدول التي أدركت باكراً أهمية التأثير الرقمي (كالسعودية والإمارات) سارعت إلى استثمار المؤثرين العالميين والعرب والمحليين ضمن مشاريع مدروسة تمزج بين الهوية الوطنية والرسالة الحضارية.


أمثلة المؤثرين العرب الذين غيّروا من المزاج العام تجاه العراق عديدة. الإعلامي خالد جاسم  حين قال: “بغداد حلوة…” لم يُجامل بقدر ما حرّك صورة نائمة في الوجدان العربي، بينما وجّهت هديل الحضيف خطاباً شفافاً حين تحدّثت عن “بغداد ما بعد الازدهار”. كذلك فعل محمود سعد الاعلامي المصري حين قال ببساطته المؤثرة: “العراق ده مش مكان.. دي حكاية ناس” فلامسَ قلب العراقي قبل العربي. هذه الأمثلة تعبّر عن كيف يمكن للمؤثر أن يُسهم في قلب الصورة الذهنية متى ما امتلك الصدق والحسّ المسؤول.


في الداخل العراقي، هناك مؤثرون محليون يمتلكون أدوات التأثير لكنّ كثيراً منهم يفتقر إلى الاحتضان أو الرؤية أو الفرصة. بعضهم يُستقطَب من قبل جهات تجارية فقط أو يُترَك لمواجهة الجمهور منفرداً دون تدريب أو دعم إنتاجي. ولهذا تبرز الحاجة إلى مشروع وطني يُعيد توجيه هذه الطاقات ويضع لها أفقاً معرفياً وإنسانياً.
العقل الجمعي لا يتشكل عبر المناهج فحسب وانما يُعاد تشكيله يومياً عبر ما يُتداول ويُشاهَد ويُعاد. وإذا كان خطاب الإلغاء والتطرف يجد طريقه بسهولة عبر الشاشات فالمؤثر الإيجابي يمكنه أن يكون سدّاً في وجه هذا الانحدار، بوصفه طرفاً حيوياً يفهم جمهوره ويتحدّث بلغته ويعيد بناء الثقة والذوق والسلوك.


 إنّ صناعة التأثير قد تبدأ فردية لكن بفعلٍ تراكميّ تشترك فيه الموهبة والمسؤولية دعم هذه المواهب بكافة اتجاهاتها وتقريبها وتهذيبها لتكون عامل مساهم للحد من الالغاء والتطرف و القدرة على تغيير التأثير في الداخل والخارج بما ينسجم مع الواقع والتطلع الايجابي للتنمية والتطوير.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن