١-الاغتيال لغة هو (الإهلاك في إستخفاء وخداع وحيلة )..أو خلسة أو على حين غفلة أو القتل على حين غرة (فجأة) دون انتظار أو تنبيه …كما رواه أجدادنا في معاجم اللغة الذهبية التي (أفنوا عمرهم) في انتاجها وتنقيحها تحت أضواء الشموع ..في بيوت الطين (الباردة)..في سهرات الليل الحانية على ظهورهم ورقابهم ..
٢-(ويقتلون النبيين بغير حق)…هنا يظهر وجه آخر للاغتيال أو القتل..(بغير حق) للدلالة على ان القتل تم بصورة (خاصة) عن طريق (إفشاء السر..أو خيانة العهد..أو التدليل على مكانهم أو عملهم)..وربما أسماه القران الكريم(قتلاً بغير حق) للتنبيه لخطورته..(لانه لايوجد وجه(حق )في قتل الانبياء )..وهو سلوك إشتهر به اليهود من القدم..وعليه يصنف الاغتيال على نوعين: أ-الاغتيال الجسديب-الاغتيال المعنوي
٣-في العصر الحاضر هناك تعريفات للاغتيال على انه(التصفية الجسدية) أو (القتل السياسي) أو(القتل الكاتم ) أو(القتل من بعد) وغيره…وبرزت صور متعددة للاغتيال فمنها..(بعبوة لاصقة..مسدس كاتم..حزام ناسف..رمي الشخص من بناية عالية ..زرق ابرة..عجلة مفخخة..بندقية قناص..استدراج في سفارة ..دهس سيارة..آلة حادة..طائرة مسيرة.. سم في طعام أو شراب …الخ)..وكلها تندرج تحت لافتة (قتل متعمد ومنظم وسري لشخص أو عدة أشخاص ذات تأثير )..نعم (ذات تأثير)..
٤-في الثقافة اليهودية يعرف الاغتيال على انه(أقصر الطرق ..وأقلها كلفة ..للتخلص من الاعداء أو الاشرار..)..وهو يعني الاغتيال( طريق لردع الاخرين ..واشاعة الخوف عند العدو..وإسقاط هيبته)..وهذا ماتجلى في مسيرة (اسرائيل) من التأسيس الى اليوم وقد مارست كل أنواعه (الجسدي والمعنوي ) في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا والامارات وايران..) وبكل صوره من العبوة الناسفة الى المسيرات مروراً بتفخيخ الهواتف ..
٥-(الاشجار واغتيال مرزوق) للاديب الكبير عبد الرحمن منيف ..قدمت (اغتيال مرزوق) على انه اغتيال للفكرة.. والكلمة السياسية المعارضة..واخماد صوت الرفض للانظمة الفاسدة.. وقد جاءت الرواية (زمنياً) بعد تفشي ظاهرة الاغتيال من قبل الانظمة الحاكمة في مصر والعراق وسوريا ..وبعد اغتيال القادة الفلسطينيين في بيروت عام ١٩٧٣(كمال ناصر -كمال عدوان ..ويوسف النجار).. في ليل تجسسي بهيم..لتستقر في جسد كمال عدوان ٥٨ طلقة رشاش (كاتم..)..كانت رواية (الاشجار واغتيال مرزوق).. الاعلان الاول عن (مرض الاغتيال) في دولنا العربية والكيان الصهيوني..
٦-أسباب الاغتيال..هناك من يسوق عدة أسباب للاغتيال وحسب الدوافع..أ-أسباب عقائديةب-أسباب سياسيةج-أسباب نفسيةد-أسباب اقتصاديةهـ-أسباب ماليةو-أسباب ثقافيةز-أسباب تنافسية..ح-أسباب عسكريةولبشاعة المصطلح وكمية (الهاجس) فيه.. والخوف منه صار يضاف الى الكثير من الكلمات والمفاهيم (لتركيز الضوء عليها ..والتنبه لها)..مثل مصطلحات..(اغتيال وطن)..(اغتيال القضية)..(اغتيال الثقافة)..(اغتيال شعب)..(إغتيال الحزب)..وهي تعابير تشير الى التعسف والظلم والاستبداد ..تمارسها أجهزة حكومية أو منظمات سياسية أو مجموعات أمنية أو دينية متطرفة..أو أشخاص لهم دوافعهم الخاصة..
٧-في العراق (ازدهرت) ظاهرة الاغتيالات أيام الحكم البعثي..كأسلوب من أساليب (صناعة الخوف العام)..و(تطهير البلاد) من أصحاب الرأي والتأثير ..في داخل العراق وخارجه…بريطانيا-عبد الرزاق النايفالكويت-حردان التكريتيالسودان-مهدي الحكيمايطاليا-محمد حبشلبنان-طالب السهيلالامارات-سهل السلمانوفي الداخل العراقي كانت الاغتيالات تجري بصور متعددة من الخنق الى الغرق والدهس وكاتم الصوت …وأغرب عملية اغتيال كانت للمرحوم الدكتور فخري الدباغ عميد كلية الطب في جامعة الموصل ..وكانت في يوم لقائه (صدام)ونتيجة ما حصل في اللقاء ..وفي طريق عودته للموصل تم دهسه ب(شاحنة كبيرة) صدمت سيارته …وقدتم تسجيل الحادث على انه قضاء وقدر (بشاحنة تركية)..عام ١٩٨٤..ثم تصاعدت شراسة الاغتيالات في شوارع العراق ..لتمتد الى علماء الدين والمراجع الكبار ..كعملية اغتيال السيدالشهيد محمد الصدر ونجليه ..في شوارع النجف الاشرف..ببنادق الرفاق وكواتم البعث ..
٨- جدوى الاغتيالات.. بدأت تتراجع بعد أن تشابك العالم بشبكة اتصالات هيمنت عليه من كل الجهات والابعاد والثقوب والسقوف..فلم يعد مجدياً أن تمنع كتاباً أو مجلة من الانتشار..وتراجعت شهية الاغتيال الجسدي من قبل الحكومات خوفاً من الكاميرات المنتشرة …والرأي العام.. وردود ألافعال..ولاقطات التصوير والتجسس التي لاترى بالعين المجردة..وأصبح العلم والفكر يتكاثر ويتناسل تحت خيوط العنكبوت…ولكن تبقى للاشرار أمنيات وأوهام وأحلام ينسجونها تحت جنح الظلام ..
٩-ويبقى (الكيان الصهيوني) مصراً على ممارسة الاغتيال..وتحت أنظار الكون ..لانها تلائم وتناسب(السيكولوجية) أو النفسية اليهودية و(يتعبد بها)..ولانه البخيل فيراها بكلفة قليلة..ولانه اللئيم فهي تشفي شهية الغدر لديه..ولانه يخاف فلايقاتل الا من بعد او (من وراء جدر) أو في (قرى محصنة)..أو طائرات شبح..ولان الطغاة بلا بصيرة فهو يستخف بالعيون..
١٠-يتسلل الخوف الى قلوب العالم فيختلف في تعريف الاغتيال…وربما تنقلب الصورة لعينيه فيراه عملاً (نوعياً) أو مهمة بطولية(خارقة)..أو ضربة جبارة …تكبر كلما كبر حجم الدمار والموت والخوف …حتى أصبح الانسان لايأمن على نفسه في (وطنه وبيته أو شقته)..انه زمن الاغتيال العام…شاهده البعض من بعيد فنزلوا الى الخنادق والكهوف …ليصنعوا له عبوة تعيق جبروته…ودخاناً يعمي عيونه..ويبقى الصبر لذة للعطاشى ..وهلالاً في سقف الملجأ ..وأملاً بمرور الخنازير الحمراء.. مثلما مرت الفيلة من قبل …وللبيت رب يحميه…
عباس الجبوري مجلس النواب العراقي