04 Sep
04Sep


بقلمالدكتور محمد مرعي الخزاعي

مع اقتراب انتهاء مهلة أغسطس التي منحتها واشنطن لإيران لتسليم مخزونها من اليورانيوم المخصب ووقف تصنيع أجهزة الطرد المركزي

 ونقل الموجود منها إلى الخارج، بدا المشهد الإقليمي وكأنه يتجه نحو منعطف خطير قد يعيد رسم خرائط التوازنات في الشرق الأوسط

فالمطلب الأمريكي لا يعني فقط الضغط الدبلوماسي على طهران، بل يمثل محاولة لتجريدها من أي إمكانية للوصول إلى العتبة النووية، الأمر الذي تعتبره إسرائيل تهديداً وجودياً لا يمكن التهاون معه.

نقل القوات الأمريكية من قاعدة عين الأسد إلى أربيل يحمل دلالات متعددة؛ فمن جهة يمثل خطوة لتعزيز الحماية للقوات الأمريكية قرب  المجال الإيراني، ومن جهة أخرى يعكس استعداداً لعمل عسكري محتمل بالتنسيق مع إسرائيل عقب انتهاء المهلة أو حتى قبلها

لكن في المقابل، يبقى احتمال أن يكون هذا التحرك ورقة ضغط سياسية ورسالة ردع أكثر من كونه مقدمة لعمل عسكري مباشر.

 هنا تتقاطع القضية الإيرانية مع الانشغال الأمريكي بملف أوكرانيا، إذ يظهر لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع دونالد ترامب واصطحاب القادة الأوروبيين مع الرئيس زيلينسكي إلى واشنطن وكأنها رسالة مبطنة لإيران بأن الإدارة الأمريكية منشغلة بالأزمة الأوروبية، في محاولة لإبعاد طهران عن توقع ضربة عسكرية مفاجئةهذه المناورة السياسية تحمل أبعاداً مزدوجةفمن جهة تمنح واشنطن فسحة لطمأنة حلفائها الأوروبيين، ومن جهة أخرى تترك إيران في حالة ارتباك استراتيجي يصعب معها التنبؤ بخطوة واشنطن القادمة.

وفي خضم هذه التفاعلات، يطرح سؤال جوهريأيهما أهم في الاستراتيجية الأمريكية؟ تحقيق السلام في أوكرانيا أم كبح قدرات إيران النووية؟ 

إذا كان الملف الأوكراني يمثل ساحة مواجهة مباشرة مع روسيا ويهم الأمن الأوروبي، فإن الملف الإيراني يتجاوز البعد الإقليمي  ليطال أمن إسرائيل ومصالح واشنطن في الخليج.

 وعليه فإن واشنطن تعمل على إدارة أزمتين متوازيتين دون التضحية بإحداهما على حساب الأخرى.

 إلى جانب ذلك، يأتي اتفاق الصلح بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة ترامب وما نتج عنه من ترتيبات تسمح للولايات المتحدة باستئجار ممر (زنكزور) الاستراتيجي، ليضيف بعداً آخر على خارطة الصراعفهذا الممر لا يمثل مجرد إنجاز دبلوماسي، بل يمكن النظر إليه كجزء من مسعى أمريكي  لإطباق الطوق الجيوسياسي على إيران وعزلها، بالتوازي مع الضغط العسكري والاقتصادي. إن تلاقي هذه العناصر مع تصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرىيضع الأحداث في إطار أوضح محاولة أمريكية إسرائيلية لإضعاف إيران ومحور المقاومة الإسلامية في المنطقة، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يضمن لإسرائيل تفوقها الاستراتيجي وهيمنتها السياسية. لكن تبقى الاحتمالات مفتوحةفقد يتجه المشهد إلى مواجهة عسكرية إذا ما أصرت إيران على التمسك ببرنامجها النووي، أو إلى صفقة مفاجئة تعيد خلط الأوراق كما حدث في اتفاقيات سابقةأما العراق، فيظل بيضة القبان في هذا الصراع، حيث تشكل أراضيه ساحة  تجاذب بين واشنطن وطهران، وتبقى فصائل المقاومة الإسلامية فيه عاملاً مؤثراً في موازين الردع والاشتباك. في المحصلة، نحن أمام لوحة معقدة تجمع بين التهديد العسكري، والمناورات السياسية، والتحالفات المتغيرةوهي لوحة ترسم ملامح مرحلة قد تحدد مستقبل النظام الإقليمي لعقود قادمة، في ظل سباق محموم بين مشروعينمشروع أمريكي ـ إسرائيلي يسعى لتكريس  الهيمنة، ومشروع إيراني ـ مقاوم يعمل على منع الانكسار وترسيخ معادلة الردع.

 
 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن