د. محمد القريشي
يقول الفيلسوف بول ريكور "أن تكتب يعني أن تُعرّض نفسك للفهم، أو لسوء الفهم.” ولهذا فان لغة المتحدث لا تعبر فقط عن موقفه، بل تُفصح عن أُفُقه المعرفي، وحسّه الأخلاقي، وتكوينه النفسي.
وهي ترفع المرء لمستوى "سمو الفكرة" التي يكشف عنها نصه او خطابه، او تفضح جهله او توحشه او عصبيته، حين تتحرر الكلمات منه، بلا قيود متحدية "مصفاة العقل".
ولهذا ينبغي ان تمثل معالجة الكسل اللغوي الذي تشهده مجتمعاتنا في الخطابات السياسية او القانونية او الاجتماعية ، تحديا للنخب في سياق بناء الدولة الرصينة .
وفي هذه الحالة، يصبح " الانضباط اللغوي" معيارا للمهنية واحترام الذات والمجتمع. هذا الانضباط، لا يعبر عن ترف فكري او استعراض فني للمهارة، بل اداة فعالة لمقاومة الشعبوية والانفلات التي تضيع فيها الحقوق والحقائق.
السياسي الذي يزن كلماته لا "يتأنق" امام جماهيره فقط، بل يحترم عقولهم ويمنح لافعاله من اجلهم "معنى".
الانضباط اللغوي في مجال القانون ، يمنع التحايل والمراوغة، ويجعل النص قابلًا للقياس والتطبيق.
ولعل اكثر من حمَّل (على وجه حق) "الكلمة" مسؤولية المعنى، العقاد رحمه الله، في تناوله لموقف الامام الحسين ع، حين تساوت لديه "الكلمة" مع "الكرامة" لدرجة اصبح غيابها دلالة على موت "المعنى" قبل موت "الجسد".