08 Oct
08Oct


حسين القاصد 

في محاضرة لطلبتي سألني أحد الطلبة، أن لماذا لم تواكب اللغة العربية المسميات الجديدة للأشياء ، لا سيما تلك التي لا أصل لها في اللغة العربية بل لم يعرفها العرب أصلا؟  فكان جوابي: رحم الله الخوارزمي!! 

وحين استغربوا كلامي ودارت في رأسهم الدوائر، وقبل أن ينطقوا قلت لهم ألا تتحكم بكم اليوم خوارزميات التواصل الإجتماعي؟ ثم ألم يتفق الجميع على إطلاق تسمية الخوارزميات على طريقة التحكم بقوة الظهور وضعفه في الإنترنت؟  ألم يكن الخوارزمي عالما عربيا ؟ وحتى ا(لطشة) فصيحة  على الرغم من أنها لا يستعملها إلا العراقيون، لكنها أكثر دقة من الترند.الدائرة قبل أن تصبح شكلا هندسيا وبعد أن أصبحت كذلك، فهي تعني المتاهة، فقد قالت العرب : على الباغي تدور الدوائر ؛  والعرب عرفوا الفلك ، وفي العراق ما زالت لدينا ( الفلكة) وهي مجاورة نسقية للفلك الدوار وتعني تقاطع الطرق الذي فيه استدارة، وقد خاطب ابن الشبل البغدادي الفلك قائلا :

بربك أيها الفلك المدارُ  أعدلٌ ذا المسيرُ أم اضطرارُ

وبالتوليد اللغوي والتحول الدلالي تمكنت اللغة العربية من التمسك بالأصالة والتطور ومواكبة العصر في آن واحد. أعود لرأس أمري وسؤال طلبتي المميزين جدا  وللأمانة هم ليسوا من طلبة جامعتنا ولا من وزارة طلبة التعليم العالي،  وقد كان جوابي: لو أضفنا كل سنة سطرا واحدا للغتنا العربية لأصبح لدينا الآن ( ١٥٠٠) سطر!! وهذا يكفي لانقلاب لغوي خطير  يجعلنا نعيش غربة تامة مع القرآن الكريم، بل نغترب عن الشعر العباسي أو المتنبي تحديدا، الذي هو مستقبل  الشعر وقيامته. تحولت الدائرة  من المصطلح الهندسي إلى بناية حكومية توفر لنا التيه من دون أية معاناة، وصار للدائرة مدير عام يتقن استتباب التيه ودوراننا حول اللاشيء؛ ومع أن لا شيء أكبر من الكل صارت الجامعة أكبر من (الكلية) المشتقة من الكل!، بل صار  المدون لقرارات إدارة القسم يسمى ( مقرراً) وهو ليس أكثر من فرد في حاشية ليس له أن يصبح متناً. ونحن في العراق نعيش فورة الانتخابات علينا أن نحذر من المؤتمرات التي تقام في أيام الحملة الانتخابية فهي دعاية انتخابية حكومية ،  وأصل المؤتمر هو المؤامرة، وعلينا أن نحذّر كل المرشحين  المخضرمين من حواشيهم، إذ ليس للحاشية أن تكون متناً،  ولقد بقي عنترة بن شداد ابن زبيبة مادامت الناس تنعم بالسلم وفي وقت الحرب صار ابن الاطايب ( بعقد مؤقت لحين انتهاء المعركة) ينادونني في لسلم يا ابن زبيبة وعند صدام الخيل يا ابن الاطايب مثله مثل مقرر الجلسة ومقرر القسم وهو الذي لا يملك قرار نفسه، والأصح أن نقول: مدون قرارات الجلسة أو مدون قرارات اللجنة التي وظفته؛ أما الحاشية فأغلب حواشي المسؤولين قد أبعدوهم عن جمهورهم وسارعوا في إنهاك سمعتهم.

 في أزمة جلطة الدماغ التي تعرضت لها مؤخرا راجعت أحد الأطباء المشهود لهم بالعلمية والنزاهة لكنْ مدير عيادته ( السكرتير) كان من طلبة التعليم الإلكتروني، فحاول الترفع علي ّ وبعد أن عرفني قال لي: أنا كنت تلميذك أيام وباء كورونا والتعليم الإلكتروني ، لكنه مارس الإدارة ليدخلني في دائرة تشبه دائرة المقرر المعتوه الذي لا يملك حتى قراره على أسرته!.

 صعود الحاشية مخيف جدا ، وتسلطها أكثر سخافةً، وأسخف الأمثال هو الذي ينص على أن : العين لا تعلو على الحاجب!! يا إلهي.. لماذا لا تعلو عليه؟ ألم تحل العين محل الملك والحاجب خادمها ؟ كيف للعين ألا تعلو على خادمها؟ واللجنة على مقرر جلستها؟ وللحاكم على مدير مكتبه الذي يعزله عن الناس؟ الحواشي ليست متناً إذا كانت اختياراً. إنتهى.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن