05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
04 May
04May


محمد عبد الجبار الشبوط


لطالما ارتبطت فكرة الدولة في الوعي الإسلامي بالمفهوم الديني، حيث كان يُنظر إلى "الدولة الإسلامية" بوصفها الإطار السياسي الأمثل لتطبيق الشريعة وتحقيق مبادئ الإسلام. 

غير أن هذا التصور، مع ما فيه من نبل في المقصد، قد أُخذ أحيانًا إلى مساحات شكلية أو رمزية، على حساب المضمون والنتائج العملية التي ينبغي أن تحققها الدولة في حياة الإنسان والمجتمع.إن الدولة، في جوهرها، ليست طقسًا تعبديًا ولا شعارًا دينيًا، بل هي مؤسسة مدنية تُدار لتحقيق مصالح الناس، وضمان كرامتهم، وتنظيم شؤونهم وفق مبادئ العدل والحرية والمساواة.

 ومن هنا، تبرز الدولة الحضارية الحديثة الحديثة كإطار قادر على تجسيد مقاصد الإسلام الكبرى، حتى وإن لم تُسمّ "دولة إسلامية".فما هي مقاصد الإسلام؟ إنها تحقيق الحياة الطيبة،  العدالة،  حفظ الكرامة الإنسانية، صيانة الحقوق، تعزيز التكافل الاجتماعي، بناء مجتمع العلم والعمل، وحماية الحريات ضمن إطار المسؤولية. كل هذه المبادئ لا ترتبط حصرًا بتسمية الدولة، بل تتجلى في أدائها، وفي مدى التزامها بالقيم العليا التي تحيط بالمركب الحضاري للمجتمع: الإنسان، والأرض، والزمن، والعلم، والعمل.

الدولة الحضارية الحديثة، إذًا، هي الدولة التي تنبثق من عقلانية متوازنة، تحترم التعدد، وتضمن الحريات، وتستند إلى منظومة قيم أخلاقية وإنسانية رفيعة، وتستثمر في العلم والتكنولوجيا، وتُدار وفق أنظمة شفافة وديمقراطية. وبذلك، فإنها تحقق أهداف الإسلام الواقعية من دون أن تدّعي احتكار التمثيل الديني.الفرق الحقيقي لا يكمن في التسمية، بل في الوظيفة والمضمون. 

فدولة تحمل اسمًا إسلاميًا قد تُخفق في تحقيق العدالة، بينما دولة حضارية حديثة تُبنى على أسس علمية وقيمية راسخة قد تكون أقرب إلى روح الإسلام من غيرها.إننا، حين ننادي بقيام الدولة الحضارية الحديثة، لا ننكر البُعد الديني في حياة الناس، بل نضعه في موقعه الصحيح كرافد من روافد القيمة، لا كمصدر وحيد للشرعية. 

وبذلك، نتحرر من الثنائيات الحادة التي تعيق التقدم، ونمهد الطريق لدولة تحقق كرامة الإنسان، وتخدم تطلعات الأمة، وتبني حضارة جديدة بروح قديمة متجددة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن