05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
27 Jun
27Jun

بقلم : نصير العلي

في خضم التحولات الاستراتيجية المتسارعة في الشرق الأوسط، بات من الجلي أن الحرب الأخيرة التي فرضتها حكومة الكيان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران، قد غيّرت الكثير من قواعد الاشتباك، ودفعت طهران نحو مراجعة جوهرية لعقيدتها الدفاعية، وتحديداً فيما يتعلق بامتلاك السلاح النووي كوسيلة ردع أولى وليست أخيرة.


فبعد عقود من الصبر الاستراتيجي، والتزام نسبي بالحدود الدنيا لبرنامجها النووي العسكري، وجدت إيران نفسها لأول مرة هدفاً مباشراً لهجوم جوي واسع النطاق، طال منشآت ومراكز حيوية في عمق أراضيها. الهجمات التي لم تكن لتحصل لولا ضوء أخضر غربي ضمني، أثبتت لطهران أن التطمينات الدولية لا تساوي شيئاً أمام إرادة الهيمنة، وأن ما يُمنع عن إسرائيل يُفرض على إيران بقوة النار.
لكن المفارقة الكبرى أن هذه الحرب، التي خُطط لها أن تكون ضربة رادعة وسريعة، كشفت عن قدرات إيران العالية على امتصاص الصدمة، وإدارة حرب طويلة النفس بأسلوب متعدد الجبهات، وشبكي الطابع. وعلى العكس من ذلك، فإن الكيان الإسرائيلي أظهر تراجعاً ملحوظاً في القدرة على الصمود الداخلي، والاحتمال العسكري، خاصة في ظل اقتصاد هش، وجبهة داخلية تعاني من الانقسامات.


في هذا السياق، يبدو أن الرأي العام الإيراني، الذي طالما انقسم بشأن امتلاك السلاح النووي، قد حُسم أمره الآن؛ فالغارات الأخيرة وحدّت الشارع خلف شعار واضح: “الردع يبدأ من فوق الأرض… وينتهي تحتها”. 

وهو ما يعيد إلى الأذهان اللحظة التي غيّرت فيها باكستان، قبل أكثر من عقدين، استراتيجيتها الأمنية عقب تفجيرات نووية هندية متكررة، فكان الرد حاسماً بامتلاك القنبلة.


اليوم، لم تعد إيران تتحرك وفق منطق ضبط النفس الاستراتيجي، بل وفق حسابات ما بعد الصدمة، حيث يصبح السلاح النووي ليس خياراً، بل ضرورة وجودية لضمان توازن الرعب، وكبح المغامرات الإسرائيلية المدعومة غربياً. 

بل إن مسارعة طهران نحو تحويل برنامجها النووي إلى مفاعيل ردعية ملموسة، بات يحظى الآن بغطاء شعبي وسياسي لم يسبق له مثيل، الأمر الذي سيسرّع دون شك وتيرة التحولات النووية القادمة.
الخلاصة: الحرب لم تقوّض طهران، بل كشفت مدى حاجتها لتغيير قواعد اللعبة. وإذا ما كانت إسرائيل قد أرادت من هذه الحرب منع القنبلة، فإنها، من دون أن تدري، تكون قد وضعت الفتيل الأخير في طريق إعلانها.


ففي الشرق الأوسط… لا ينتصر من يبدأ الحرب، بل من يفرض شكل نهايتها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن