تُعَدّ القوة الناعمة من أبرز المفاهيم التي طبعت العلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة.
فهي القدرة على التأثير والإقناع عبر أدوات الثقافة والفكر والدبلوماسية والإعلام، بعيداً عن أدوات الإكراه العسكري أو الاقتصادي.
وقد شكّلت هذه المقاربة إطاراً للعديد من الدول التي سعت إلى تعزيز حضورها الدولي من خلال الاستثمار في الفعاليات الثقافية، رعاية الحوار بين الأضداد، وتوسيع شبكات التواصل الحضاري.
غير أنّ التحولات العاصفة في البيئة الإقليمية والدولية طرحت تساؤلات حول مدى كفاية هذه الأدوات في مواجهة التهديدات الوجودية.
وتُعتبر تجربة دولة قطر مثالاً واضحاً على ذلك. فقد استطاعت الدوحة أن تبني خلال عقدين منظومة قوة ناعمة متكاملة عبر الإعلام والرياضة والتعليم والدبلوماسية متعددة المسارات. إلا أنّ فرض الحصار عليها كشف حدود هذه القوة عندما واجهت الدولة تهديداً مباشراً لكيانها السياسي والاقتصادي.
ورغم ذلك، لم يكن أثر القوة الناعمة غائباً. فقد أسهمت في تعزيز التضامن الشعبي والدولي مع قطر، وأوجدت بيئة مؤاتية لإعادة فتح قنوات التفاوض والوصول إلى مصالحة لاحقة. وهذا يبيّن أن القوة الناعمة لا تفقد قيمتها، لكنها تبقى غير كافية بمفردها حين يتعلّق الأمر بالأمن القومي والتهديدات الوجودية.
من هنا تبرز الحاجة إلى مفهوم “القوة الذكية”، الذي يقوم على الدمج المرن بين القوة الناعمة والقوة الصلبة.
فالدول لم تعد قادرة على الاكتفاء بإحدى المقاربتين بمعزل عن الأخرى؛ بل إنّ ضمان الاستقرار يتطلب الجمع بين أدوات الجذب الثقافي والدبلوماسي، وبين أدوات الردع العسكري والأمني والاقتصادي.
وعليه، فإن السؤال الجوهري لم يعد: هل انتهى دور القوة الناعمة؟ بل: كيف يمكن إعادة توظيفها ضمن منظومة متكاملة مع القوة الصلبة، بما يضمن تحقيق الأمن والحفاظ على النفوذ في عالم تتسارع فيه التحديات؟