05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
23 Apr
23Apr


د.عقيل الخزعلي/ رئيس مجلس التنميّة العراقي


“السياسيّ البارع لا يقول كلّ ما يعرف، لكنه يعرف كلّ ما يقول.”      - قول مأثور


 عالَمُنا المُختّل والمُضطَرب والذي صارَت فيه العلاقاتُ الدوليةُ {كرقصةِ سيوفٍ على خيطِ حرير}، لم تعُد فيه مفرداتُ الصداقة والعداوة تكفي لشرح ملامح المشهد. فالدولة الحديثة لم تعُد تُبنى على شعارات الحلفاء أو أعداء الأمّة، لكنها بالضرورة أمست تُتبنّى على (هندسةٍ معقّدةٍ من المصالح)، و(إدارةٍ ماهرةٍ) لمعادلةٍ صعبةٍ عنوانها: “من لا يتغيّر، يتلاشى.”

 لقد دخلنا زمنٍ دبلوماسيةٍ تَصلُحُ تسميتها ب/“الدبلوماسيّة البراجماتية التحويليّة الموقفيّة ”، تلك التي لا تكتفي بقراءة الواقع،لكنّها تكتبُهُ بحروفٍ مرنةٍ تحوّليةٍ لا تعرف الجمود، ولا تسقط في فخّ الشعارات.، لانها تنحازُ الى منطق مصالح شعوبها وتطلعاتهم.


  في ادارة المصالح الحيويّة للدولة، لا يُمكن اختزال السياسة في كونها (فنّ الممكن) فحسب، انما أمتدت لتستوعب {فنّ التبديل الذكيّ للموقع والموقف دون فقدان البوصلة}, لذلك؛ فلم تعُد <الصداقة تعني الولاء>، <ولا تعني العداوة الحرب>، فالأخطر فهو ذاك النوع الهجين من العلاقات الذي يسير على حبلٍ مشدودٍ بين المجاملة والمخاتلة، بين الشراكة والخذلان: إنهم [“الأعدقاء”] اي هم اصدقاء واعداء في ذات الوقت، انهم أولئك الذين يصافحونك بأطراف أصابعهم ويُراقبون قلبك تحت الطاولة.


  هنا تبدأ (البراغماتيّة) بالتحرّك، فلا مجال للثقة العمياء، ولا للقطيعة العدمية، فالضرورة تقتضي السّعي الدائمٍ بين <الحذر والتقارب>، بين <العقل والغريزة>.

  لقد أضحى من الحكمة أن تبني علاقاتك مع (الحلفاء والاصدقاء) على أساس النقد الصادق، وليسَ التواطؤ المجامل، ومن الذكاء أن تدير خصوماتك مع (الأعداء) بعين العقل، وليسَ بلغة الكراهية، أما مع [الأعدقاء]، فأنت بحاجة إلى (عيون لا تنام)، (وموازين لا تميل)، (وفراسةٍ تميّز بين الابتسامة الحقيقية والكمين المُبتسم).


  من الواضح بداهة، بانه لم يعُد التعامل مع هذه الأطياف خيارًا، اذ صارَ {ضرورة وجودية} في عالمٍ تتشابكُ فيه التحالفات كشبكة أعصاب، تتغيّر كلّما تنفّست القوى الكبرى أو عطست الاقتصادات العالمية. حتى ان السياسة الخارجية -في هذا السياق-  تغيّرت وتطوّرت الى (برمجة دقيقة) لمسارات النفوذ، وتصميمٌ استراتيجيّ لصورة الدولة في مرآة العالم.


             هنا، تأتي [الدبلوماسيّة الموقفيّة] كي لا تُعبِّر عن (ميوعة أو انتهازية)، لكنها تُمثّل قدرةً ناضجةً على {أن تفهم الآخر دون أن تذوب فيه}، {وأن تتفاعل دون أن تُستنزَف}، {وأن تخلق لك مكانًا في كل طاولة دون أن تبيع ذاتك لمن صنع الطاولة} !.


           وإذا كانت الدول الذكية هي تلك التي تُعيد تعريف الحلف والخصومة مع كل تحوّل، [فالدول الحكيمة] هي التي لا تسمح بتحوّل الداخل إلى صدى مشوّهٍ للخارج، أو أن يكون استقلال القرار مرهونًا بخيوطٍ تمتدّ من وراء الحدود.


لقد باتت الدّول أمام اختبار استثنائي: {كيف تُحافظ على عمقها، وتحمي سيادتها، وتُنضج تحالفاتها، دون أن تقع في شَرَك الاصطفاف الأعمى أو الشكّ الدائم؟ كيف تُنصت لصوت مصالحها وليسَ لهتافِ الآخرين؟ وكيف تميّز بين صديقٍ حقيقيٍّ قد يخالفك الرأي لكنه لا يخذلك، وعدوٍّ مقنّعٍ بعباءة شريك؟ ، فخطورة هذا الزمنٍ لم تعُد فيه الرصاصات تُطلق فقط من البنادق، لانها قد تتجسّد من التغريدات، ولم تعُد السيطرةُ تُمارَس بالجيوش، لانها اضحت تنطلق من الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، لذا، فإن الدولة التي لا تُجيد رسم علاقاتها بوعيٍ مركّبٍ وذكاءٍ سياديٍّ، ستُكتَب بمدادِ الآخرين، وليس بيدها المُقفرتين من العزّة والكرامة والانجاز والميزة !.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن