05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
03 May
03May

احمد الوندي


في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع الخرائط على وقع الأيديولوجيا والمصالح، تبرز معادلات سياسية تتنازع مشهداً إقليمياً متغيراً، تسوده تحالفات مرنة وانكسارات صلبة. من بين هذه المعادلات، يبرز اليوم التحالف التركي-القطري كقوة صاعدة في وجه تقارب سعودي-إيراني آخذ بالتّشكّل كهدنة اضطرارية لمواجهة التمدد التركي في سوريا، وازدياد الرقعة الجيوسياسية لمنافسه الخليجي (قطر).
ليس التحالف بين أنقرة والدوحة طارئاً، بل هو امتداد طبيعي لتقاربٍ أيديولوجي/إخواني، أثمر الربيع العربي وغيّر الكثير من المعادلات من تونس إلى ليبيا فمصر فسوريا. لقد احتضنت انقرة/الدوحة الإخوان وأجنداتهم والعديد من الجماعات السلفية، ووجدت هذه الجماعات التمويل والتدريب والتأهيل والدعم السياسي والمخابراتي والأمني، فحقق هذا المحور وسيحقق العديد من الانتصارات.
وفي الوقت الذي واجه هذا المحور التطويق إقليمي ذات يوم، لكنه اليوم يطل برأسه من نافذة الانتصار الاخير في سوريا، يصاحبه تراجع كبير للنفوذ والمحور الإيراني، وشبه فقدان بوصلة سعودية التي تقف اليوم عند مفترق طرق، وهي التي أسست عقيدتها السياسية على تحالف متين مع الوهابية منذ نشأتها، تجد نفسها اليوم، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، في خضم مشروع تحديثي ضخم يحاول إعادة تعريف الدولة والمجتمع والدين. المملكة اليوم تنأى تدريجياً عن إرثها العقدي المحافظ، وتبحث عن دور قيادي جديد يقوم على القوة الاقتصادية والانفتاح الثقافي، من دون أن تتخلى عن طموحاتها الإقليمية، لكنها لم تبلور إلى اليوم استراتيجيتها تجاه التطورات، والذي قد يبدو التوجه نحو إيران إحدى ملامحه.
التقارب السعودي-الإيراني، وإن بدا ناعماً في شكله الدبلوماسي، فهو نتاج تشابك أجندات عديدة؛ إذ تواجه طهران انكفاءً واضحاً في أكثر من ساحة—من سوريا إلى العراق ولبنان—خسرت فيه من زخمها ومشروعها الإقليمي الكثير. وبعد سنوات من الاندفاع، بات هدفها الأكثر إلحاحاً اليوم هو الحفاظ على ما تبقى من مكتسبات، لا التوسع أكثر. ويبدو أنّ هذا التحوّل في السلوك الإيراني أتاح للرياض أن تعيد هندسة علاقاتها بما يضمن توازناً إقليمياً جديداً لا يُخضِعها لنفوذ أحد، ولا يعزلها عن أحد.
أما الولايات المتحدة، فهي وإن بدت وكأنها تراجعت عن دورها الكلاسيكي في الهيمنة والتوظيف للمعادلات والمحاور، إلا أنها لا تزال تمارس نفوذاً حاسماً، عبر قواعدها، وتحالفاتها الأمنية، وحضورها غير المعلن في لحظات الحسم. إنها تراقب توازن القوى وتتيح للفاعلين الإقليميين التحرك ضمن حدود مرسومة بدقة، تضمن أمن إسرائيل من جهة، واستقرار أسواق الطاقة من جهة أخرى، وعدم تمكّن الصين من الاستيطان في الشرق الأوسط.
لكن يبدو أنّ الجائزة الحقيقية للمحور التركي القطري بعد سوريا هو العراق، خاصة بعد تراجع النفوذ الإقليمي الإيراني وعدم صياغة استراتيجية أميركية واضحة إلى الان. ويبدو أن هذا الفراغ محل شغل واهتمام استراتيجي للمحور التركي-القطري، الذي يرى في العراق عمقاً اقتصادياً-اجتماعياً واستراتيجياً بالغ الأهمية، لا يمكن مقارنته بسوريا.
في هذا السياق، تبدو معادلة تركيا وقطر أكثر انسجاماً وحيوية؛ فهي تحالف بين طموحين نشطين: تركيا التي تبحث عن عمق استراتيجي في الجنوب العربي والشرق العربي، وقطر التي تتقن اللعب بين التناقضات، وتستثمر في الأزمات أكثر مما تهرب منها. ومع التغيرات في سوريا، وتراجع القبضة الإيرانية، وهدوء الجبهة الخليجية، يبدو أن هناك مساحة أوسع لهذا المحور كي يعيد ضبط إيقاع التأثير الإقليمي، على حساب المحاور الاخرى.
إن تقسيم المنطقة اليوم لا يتم وفق حدود سايكس-بيكو جديدة، بل عبر معادلات متناقضة تتصارع على النفوذ الناعم حيناً، وتستعرض القوة الخشنة حيناً آخر. وبينما تنشغل إيران بحماية حصونها المتصدعة، وتخوض السعودية غمار التغيير الداخلي، يبسط التحالف التركي-القطري أجنحته، ليس كخصم مباشر، بل كفاعل يلتقط اللحظة، ويصوغها وفق رؤيته، رؤية تضع العراق هذه المرة على قائمة الفرص الذهبية!!
وفي الوقت الذي يبدو أن البعض العراقي غدا جزءاً من هذا المحور، والبعض الآخر غافل عنه، إلا أنّ صراع المحاور أو هيمنة اي محور على العراق سيعيد العراق إلى مربع أزماته التاريخية التي أنتجتها الهيمنة الخارجية وأفرزها الاستلاب الأجنبي.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن