24 Jun
24Jun

بقلم: نصير العلي

حتى الثالث عشر من هذا الشهر، ظل الكيان الإسرائيلي يُنظر إليه - عربيًا وإسلاميًا وعالميًا - كقوة لا تُقهر، ونموذجًا للدولة المدعومة بلا حدود من الغرب، وخصوصًا من الولايات المتحدة. دولة تُغير الأنظمة، وتخترق السيادة، وتفرض أجندتها، ولا تخضع لأي محاسبة أممية أو قانونية. تقتل وتدمر وتصنّف المقاومة إرهابًا، فيما تروّج للتطبيع باعتباره بوابة “السلام”.


لكن الصدمة الاستراتيجية التي وقعت قبل أيام غيرت قواعد اللعبة. لقد تَلقّى الكيان الإسرائيلي ضربة غير مسبوقة من دولة إقليمية - هي إيران - التي لم تكتفِ بالتهديد، بل نفذت هجومًا صاروخيًا وجويًا واسع النطاق، شمل أهدافًا عسكرية وحيوية داخل العمق الإسرائيلي، وبشكل مباشر ومعلن.


التحوّل الجذري في ميزان القوى


ما حدث لا يمكن فهمه بمعزل عن مفهوم ميزان الردع. فالمعادلة القديمة كانت تقوم على احتكار إسرائيل للتفوق النوعي في التكنولوجيا والضربات الاستباقية والدعم الغربي اللامحدود. لكن إيران كسرت هذا الاحتكار، وأدخلت المنطقة في طور جديد يتميز بتكافؤ الردع ولو جزئيًا.


لقد أثبتت إيران أنها تملك: 

 بنية صاروخية ومسيراتية متقدمة قادرة على الوصول إلى أهداف دقيقة رغم التفوق الدفاعي الإسرائيلي.

منظومة قيادة وتحكم تستطيع إدارة معركة بهذا الحجم دون انهيار أو ارتباك.

استعداد نفسي وسياسي لخوض المواجهة حتى مع التلويح بعقوبات دولية.
وهذا يُسقِط نظرية “الضربات دون رد” التي اعتمدتها إسرائيل طويلاً، ويضعها في موقف دفاعي غير معتاد.


الدلالات على المستوى العربي والإسلامي


المشاهد العربي على وجه الخصوص كان أمام مشهد مفصلي. فمنذ نكبة 1948، لم يرَ هذا الجمهور قوة إسلامية تضرب العمق الإسرائيلي بهذه الكثافة والجرأة. إنها ليست مسألة عسكرية فحسب، بل كسر لحاجز الهيبة النفسية، وزلزال في التصورات المتجذرة عن “العدو الذي لا يُمس”.


بات من الواضح اليوم أن: 

 إسرائيل ليست منيعة، وجبهتها الداخلية يمكن تهديدها، بل وتهجير سكانها.

التحالفات الغربية ليست ضمانًا للأمن، ولا تمنع الصواريخ من السقوط.

الردع لم يعد ملكًا حصريًا لطرف واحد.


المشهد الدولي ومتغيرات الحرب الحديثة


المجتمع الدولي الذي طالما تغاضى عن سلوك إسرائيل، بات أمام اختبار جديد: كيف يتعامل مع قوة إقليمية ردّت علنًا وبشكل مباشر على انتهاكات إسرائيل؟ 

هل سيُعامل إيران كدولة معتدية، أم يعترف ضمنيًا بشرعية الردع المتكافئ؟
أما على المستوى العسكري، فقد برزت طبيعة الحرب الحديثة: 

 لا جنود على الأرض.

لا خنادق ولا اجتياحات.

فقط منظومات متحركة، تحكم عن بعد، تضغط زرًا فتُشعل جبهة بأكملها.هذا التحول يجعل من كل أراضي الدولة ساحة معركة، ويجبر الدول على تطوير بنيتها التحتية الدفاعية بشكل شامل، لا سيما حماية المدن والمنشآت الحيوية.


خلاصة استراتيجية


الصراع الإيراني الإسرائيلي الأخير كشف حقيقة واضحة: العالم تغيّر، والمنطقة تتحرك بسرعة نحو نظام ردع متداخل، يتجاوز الجيوش التقليدية ويتحدى تحالفات ما بعد الحرب الباردة.

 العرب، للمرة الأولى منذ عقود، شاهدوا ميزان القوى يتحرك فعليًا، لا كلامًا. والمطلوب الآن إعادة تعريف الأمن القومي بعيدًا عن المعادلات القديمة التي لم تحمِ أحدًا.


لقد دخلنا عصر الصواريخ الدقيقة، والمناورات الإعلامية، والردع السيبراني، ولن يكون أحد في مأمن إن لم يكن مستعدًا لكل الاحتمالات.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن