منتصر صباح الحسناوي
مع اقتراب المواسم الانتخابية تزداد ملامح “ثقافة الإلغاء” حضوراً في المشهد العام. لم تعد الحملات السياسية تقتصر على عرض البرامج والخطابات إنما أصبحت الساحات مفتوحة لتنقيب الأخطاء وتصنيع الإدانة وتحريك الرأي العام بمختلف الأدوات العاطفية.
تأتي ثقافة الإلغاء كسلوك يتسع ويتطور من ظاهرة جزئية إلى نمط اجتماعي مؤثر ، إذ تقوم هذه الثقافة على سحب الاعتراف والدعم من شخصية عامة أو جهة، بناءً على قول أو فعل يُعتبر مخالفاً للقيم السائدة. وسائل التواصل الاجتماعي سهّلت هذا المسار فبات كل فرد قادراً على أن يكون جزءاً من عملية إلغاء واسعة.
الأخطاء القديمة أصبحت حاضرة في كل موسم انتخابي، فيتم اقتناص المواقف ونشرها وإعادة تفسيرها، ثم توظيفها ضمن سياق العزل أو التشهير، بما يُحدث أثراً فورياً على صورة الأشخاص والمؤسسات.
"الانتخابات" بيئة خصبة لصناعة الإلغاء
في زمن الانتخابات تتسارع الحملات إلى البحث في سجل الخصوم. التصريحات والصور وحتى التعليقات العابرة، تتحول إلى أدوات ضغط في مواجهة الناخبين التي لا تقتصر على المنافسة الموضوعية بشأن المشاريع أو السياسات وانما تنزلق إلى صراع شخصي يتمحور حول السمعة والصورة الذهنية.
غالباً ما تبدأ العملية بحملة افتراضية في الفضاء الرقمي، يعقبها تضخيم إعلامي مدروس… وهكذا يتحول الخلاف السياسي إلى إدانة جماعية، وتختلط المطالب الحقيقية بحملات التشويه المقصودة.
خطر ثقافة الإلغاء على الديمقراطية
ثقافة الإلغاء خلال المواسم الانتخابية تفتح الباب أمام مخاطر حقيقية، حين تُستبدل المعايير الموضوعية للحوار بأساليب النبذ والمقاطعة، فتُغلق نوافذ النقاش ويعلو صوت الإقصاء، مما يحرم المجتمع من تنوع الرؤى ويؤسس لبيئة متشنجة.
الناخب، حين يحكم مدفوعاً بمشاعر الغضب أو الإدانة يفقد القدرة على التقييم الواعي. تزدهر الشائعات وتتعطل عملية الاختيار السليم وتصبح القرارات السياسية وليدة الانفعال لا ثمرة التفكير العميق.
الجميع معرض "للإلغاء"
ثقافة الإلغاء لا تقف عند حدود معينة، من يبدأ بتوجيهها ضد الآخرين، قد يجد نفسه لاحقاً هدفاً لها. فالأدوات التي تستخدم في موسم انتخابي قد تنقلب في موسم آخر على مستخدميها أنفسهم، "الوعي بهذه الحقيقة ضروري".
فالمجتمعات التي تتهاون مع ممارسات الإلغاء ستجد نفسها تدريجياً محاصرة بثقافة الخوف، حيث تتقلص حرية التعبير ويُستبدل النقد بالحذر، وتُصبح المساحة الآمنة للحوار أكثر ضيقاً.
الحاجة إلى فهم الظاهرة
إن التعرف على ثقافة الإلغاء بوصفها ظاهرة اجتماعية وثقافية أصبح حاجة ملحة، الفهم العميق لآلياتها ودوافعها ومخاطرها، يمثل خط الدفاع الأول ضد انزلاق المجتمع إلى حالة من الاستقطاب الدائم.
ليست المواجهة مع ثقافة الإلغاء مسألة دفاع عن شخص أو جهة، بقدر ما هو دفاع عن حق المجتمع كله في التنوع والحوار والانفتاح. معركة حماية المساحات الآمنة للتعبير تتطلب فهماً بأن أخطاء الأفراد يمكن معالجتها بالنقد والتصحيح، وليس بالاستئصال والإقصاء.
نحو بيئة انتخابية أكثر وعياً
تحتاج البيئات الانتخابية إلى استعادة التوازن بين النقد العادل والمحاسبة الرصينة، فالمجتمع يحتاج الى تعزيز ثقافة الجدل المسؤول والأفكار يجب أن تواجه بالأفكار.ومتى أدرك الناخبون خطورة توظيف الإلغاء كسلاح انتخابي، سيكون بإمكانهم الدفاع عن مستقبلهم بأنفسهم، عبر قرار نابع من العقل لا من الانفعال.