05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
02 Jun
02Jun


أحمد الوندي


احدى أهم رافعات اي مسؤول او قائد هو فريقهُ. فهو يُعّرف من خلالهم، ويقوى بهم، ويكبَر بعملهم. فهم نواة تنفيذ عملهُ وأدواتهُ لتطبيق رؤيتهُ. وكما هم احدى أُسس نجاحهِ، فهم ايضاً ثُقلهُ المُغرّق، وحملهُ الثقيل في حال، فشلوا بأداء ادوارهم.
القائد، بطبيعة الحال، لديهِ رؤية وخطة لتنفيذ ما يريد، وعادة ما يرافقهما، مسارات فكرية وتنظيرية، لأليات التطبيق وضمانات النجاح. وهذه المهام عادةٍ ما تقع على رافعاتهِ، أي فريقهِ الخاص. 

فان لم تكن هذه الرؤية مناسبة للتطبيق، يقع على عاتق الفريق تشذيبها وتعديلها لتطبق، وإذا لم تكن قابلة للتطبيق، فهنا يجب ان توجد خطة بديلة، تختلف عن تلك التي جاء بها الرئيس او القائد، متناسقة مع الفكرة، منسجمة مع الرؤية، مُطبقة لاستراتيجيات النجاح، التنظير ثم التخطيط ثم التنفيذ ثم المتابعة. 
رؤية القائد قد لا تكون بالضرورة صحيحة، او غير قابلة للتطبيق الواقعي، لذا من الضروري ان يُنبه من قبلهم، وان يساعدوا القائد في ايجاد رؤية جديدة، تلائم مصلحة المؤسسة او الدولة، وهنا تقع المسؤولية الأكبر، قول ال (لا) وان لا يقع القائد ضحية صدى فكره في حال عدم وجود تحدي فكري لرؤيتهِ، فأساس نجاح الفكر هو الصمود امام النقد وان لا يُسحب الى مساحة الجدل الاعتباطي بدلاً عن ايجاد ما يُرصن طروحاتهِ ويقّوي أساساتهِ. 


الفريق الفاشل


القائد اصطلاحاً: شخص يستخدم نفوذه، وقوته، وكل ما أوتي من سلطان؛ ليؤثر في سلوك، واتجاهات الأفراد بغية إنجاز أهداف محددة. أي يستنتج، انه شخص متنفذ وقوي، ولديه تجربة سابقة، والاهم من ذلك لديه هدف. فكيف بشخص يمتلك هذه المقومات يختار فريقاً فاشلاً؟

 هناك عوامل عدة، يمكنها الاجابة عن هذا التساؤل تبدأ بالأمر البديهي، هل القائد حر في اختياراتهِ؟ هذا تساؤل مُهم، بإمكانهِ الافصاح عن امور كثيرة تتعلق بقوة القائد؛ فالقائد عليه ان يفرض رأيهً واختياراته، والا انه فشل في استيفاء احدى مقومات القيادة وهي الحزم او القوة.


الامر الاخر قد يكون بان معيار اختيار الفريق لم يكن الكفاءة او المهنية وانما الولاء او المصلحة المتبادلة. لكن، هل كل ولاء يعني ضعفاً؟ وهل دائماً اختيار المخلصين يؤدي إلى ضعف الأداء؟ قد يكون هناك أوفياء أكفاء أيضاً. فالمشكلة قد لا تكون في الولاء، وانما تقديمه على باقي المعايير دون ضوابط. أحياناً، القادة يفضلون الولاء لأنهم يعملون ضمن بيئات سياسية معقدة فيها الطعن وارد والانقلابات متوقعة. فيختار من يثق بولائهم، حتى على حساب المهارة. القول بأن القائد فشل فقط لأنه اختار بالولاء، يُبسّط المشكلة. الفشل قد يكون نتيجة منظومة كاملة من الضغوط، الفساد المؤسسي، انعدام البدائل، أو حتى رؤية مشوّهة حول من هو "الوفي" ومن هو "الخائن".


هل فعلاً كل من استبعادهم أقل ولاء، أم أكثر استقلالية؟ ذا ثبت أن الولاء هو المعيار الأول، وكان الولاء يعني السكوت عن الخطأ، وشراء الوقت، وتثبيت السلطة، فإن القائد لم يفشل إدارياً فقط. وانما اخلاقياً أيضاً. القيادة الحقيقية لا تبحث عمّن يقول "نعم" دائماً، لكن عمن يقول "هذا خطأ" عندما يجب أن يُقال.


وأحياناً يكون القائد ممتازاً في الرؤية لكنه ضعيف في التنفيذ أو محاط بقيود تمنعه من التخلص من العناصر غير الفعالة. لكن إذا كان القائد مسؤولاً عن اختيار وتثبيت هؤلاء الأشخاص رغم ضعفهم، فالمنطق يفرض أنه شريك في الفشل، إن لم يكن مصدره.
 
 
الحاجة الى تثبيت الفريق الناجح


إن ضمان نجاح القائد، ونجاح المرحلة التي يقودها، لا يقتصر على وضوح الرؤية فحسب، وانما من ثبات الأدوات واستقرار البُنى التنفيذية. وفي هذا السياق، يصبح تثبيت الفريق الناجح ضرورة لا ترفاً، وحاجة استراتيجية لا قراراً مزاجياً. 

لكن التثبيت هنا لا يُفهم على أنه تثبيتٌ لأشخاصٍ لمجرد القرب أو الولاء، وانما تثبيتٌ لمن ارتبط ولاؤهم بالمشروع، لا بالشخوص، ولمن عملوا من أجل الهدف لا من أجل الموقع. القائد الحكيم لا يُغيّر الفريق الذي أثبت كفاءته كلما تبدّلت الامزجة السياسية أو تبدّلت توازنات النفوذ، لأنه يدرك أن البناء المؤسسي لا يُدار بالعلاقات العابرة، لكن بالثقة المتراكمة والخبرة المُجَرَّبة. كما أن تثبيت الفريق الناجح لا يعني الانغلاق أو الجمود، وانما يعني الإبقاء على الكفاءة ريثما تُعزز، لا إقصاؤها لمجرد التجديد، أو إخضاعها لاعتبارات لا علاقة لها بالنتائج.


إن أخطر ما يُواجه الدول التي تمر بمرحلة بناء، هو أن تُعيد كل سلطة جديدة ترتيب الأدوات وفق الولاءات لا وفق الكفاءات، وأن تُعيد تشكيل الفرق استناداً إلى رغبة السيطرة لا حُسن الأداء. لذا، فإن تثبيت الفريق الذي أثبت التزامه بالمشروع، وانسجم في رؤيته، وتقدَّم بنتائجه، هو أول شروط الاستمرارية، ومن دون ذلك... نعود إلى نقطة الصفر في كل مرة، وإحدى هذهِ الاصفار ستكون هدامة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن