د. محمد القريشي
في عام ٢٠٢٢، انتجت السينما المصرية فلما دراميا بطابع كوميدي وواقعي، تحت عنوان “من أجل زيكو”.يحكي هذا الفلم قصة أسرة بسيطة تعيش في إحدى القرى المصرية، يتلقى ابنهم الصغير “زيكو” ترشيحًا بالخطأ (بسبب تشابه اسماء) ، من مدرسته للمشاركة في مسابقة “أذكى طفل في مصر" ولكنه في الحقيقة لم يكن مؤهلا للدخول في هذه المسابقة.
يحرر هذا الحدث حلمًا قابعا في نفوس افراد العائلة، التي ترى فيه فرصة للخروج من بؤسها اليومي.
ورغم توضيح الادارة لخطئها في هذا الاختيار ونصحها للأسرة بتجنيب الطفل مرارة الخسارة مع أطفال اخرين، حصلوا على تعليم عالي المستوى إضافة إلى قدراتهم الذاتية الجيدة، فقد اصرت الأسرة على الاشتراك. القضية بالنسبة للأسرة اصبحت "قيمة" يجب السعي للحصول عليها. لكن سرعان ما اكتشفت الاسرة بوجود فارق كبير بين طفلها وأطفال الاسر المشاركة من خلال الأسماء الراقية للأطفال مقارنة بزيكو، اولا ومهن ذوي هؤلاء الاطفال المتنافسين ثانيا، وطبيعة الإجابات عن الاسئلة التي واجهها "زيكو" بالصمت، اخيرا. وحفاظا على المزاج العام للمشاهدين، أراد المخرج إظهار كفاءة غنائية عالية لدى "زيكو" في نهاية المسابقة، ليصنع شيئا من تكافؤ الفرص بين الطبقات ،من خلال اصرار الاسرة والطفل كذلك على الغناء، على الرغم من تخصص البرنامج بالمنافسة العلمية بين الاطفال.
غنى "زيكو" في النهاية :
الغزالة رايقة ما الناس الحلوه سايقةيا سيدي يا جماله ماله ضغط كتير عليه
وأعجب الجميع، ولكن الفلم باكمله، كشف عن عورة النظام العربي" الذي لم ينجح بتحقيق تنمية شاملة تقضي على الفوارق بين الأرياف والمدن، الفقراء والأغنياء'وصنع نتيجة لذلك هويات وثقافات طبقية متمايزة .
صعود "زيكو" الطفل الفقير ،على منصة التنافس عن طريق الخطأ وهو يحمل معه "ثقافة الهامش" ووقوفه مع أطفال مترفين ومسلحين بمهارات عالية، وضع التباينات الطبقية تحت الانوار الكاشفة في وقت واحد. وحتى محاولة المخرج، تجميل قبح الفقر بإظهار تفاعل الجمهور مع "زيكو"المطرب (وليس "زيكو" الشاطر والذكي)، هي الأخرى، أماطت اللثام عن فشل المؤسسات الرسمية للدولة في الكشف عن مواهب الأطفال ووضعها في السياقات المناسبة.
قبل اكثر من عقد، شاركت في مؤتمر عالمي في الصين حول التنمية والسيادة، وانبرى مثقف عربي خلال احدى جلسات هذا المؤتمر ، بمدح النظام الصيني لما حققه من رفاهية، بعد ان بعد ان راى مشاهد الحداثة في بكين، وجاء تعقيب المسؤول الصيني على رأيه صادما "لاندفاعه في المدح"، حين قال :لسنا فخورين بما حققناه لحد الآن، بسبب وجود مناطق واسعة من الصين مازالت تعيش بفقر شديد، ولدينا خطة لتحقيق التنمية الشاملة قبل عام ٢٠٣٠. وبالفعل فقد أعلنت الصين بانتهاء الفقر رسميا في عام ٢٠٢٠.
مظاهر بكين خدعت صديقنا المثقف العربي لتستدعي ثقافة المديح لديه، وأرقام الفقر ردعت المسؤول الصيني عن التفاخر وجعلته يناقش تنمية يرى فيها الجميع سواسية ضمن افق محدد.
مهما اجتهدت الحكومات العربية في تجميل واقعها امام العالم في اقامة مؤتمرات وفعاليات وطرق معبدة لايصال الوفود إلى فنادقهم ومناظر ساحرة لهم ، فانها تبقى حاملة لعار الفقر وانعدام العدالة … الأرقام تتحدث وليس المظاهر الخادعة.،،