موج يوسف
تتحرر لفظة الفرد من خصوصيتها بسطور هذه المقالة لتكتسب دلالة جديدة وهي المبدع المشتغل بشتى المجالات الانسانية عندما قاوم تقلّبات مناخات الأقدار ، ولم تمسه عوامل التعرية الزمانية لأنه أخلص لمشروعه وهذا الأخير هو المؤسسة التي اكتسبت شرعيتها من الحياة نفسها عندما استبد بمبدعها هاجس الخلود لاسيما أنه سليل كلكماش الباحث عن خلود الانسان .
عندما دوّن بحثه وظل أوّل مدونة تُعنى بهواجس الانسانوهكذا استمرت المشاريع حتى تطورت من ناحية المنهج والنظرية والممارسة العلمية لكن تطورها قام على انتحار الانسانية ونبذ اللغة والعرق والدين القومية وكلّ ما اختلف عن مجتمع الأكثرية يعدّ من وجهة نظرهم هو جسد مشوه لهم الحق في تغير اسمه وملامحه في كل لحظة، كما حدث مع المواطنين الايزيدين والمسحيين وبقية الطوائف الاخرى في العراق بعد 2003 وصار يُنظر إليهم بصفتهم أقليّات بعدما كانوا مواطنين ولهم حق الموطنة، وأصبح طلب المساواة عصيا بين ضحية وضحية ولم نر صفات الضحايا وتفصاليهم حتى التقينا باسم باحث في شؤون الأقليات بالعراق
الدكتور سعد سلوم الماشي الرشيق في حقول الألغام، الناقم على كل انسجام مع لون واحد أو لغة واحدة أو دين واحد، فهو مع القبيلة التي اختارها وصمم ملامحها من دون أن يكون طينها متربطا بالدم وأعلن عنها في يوم الحفل الذي اقيم بمؤسسة نخيل عراقي العريقة قائلا بلغة شعرية :
"خطاب القبيلة الأخيرة حين أنظر إلى وجوهكم، أرى ملامح قبيلتي الأخيرة تلك القبيلة التي لا تُبنى على الدم أو الدين أو العرق بل على القيم المشتركة التي توحدنا جميعا: قيم التضامن ، والحوار والايمان العميق بكرامة الانسان"
عندما تأملت هذا النص وأنا اسمعه بنبرته الهادئة أدركت أنني أمام مشروع وطني يجد ملاذه في الهوية الوطنية وهو سعد سلوم يمثّل كلّ لاجئ في بلاده لاجئاً ، ويحمي ذاكرة الأقلية ويتحدث عن حقوقها الثقافية والسياسية، وخطاب القبيلة الأخيرة يشير إلى الخطبة الأخيرة التي يلقيها زعيم قبائل الهنود الحمر بعدما تسلب منهم أرضهم ولغتهم ، فكان يلقي خطبة بليغة عن فلسفته في الطبيعة والحياة.
ولعل المفارقة هنا أن سلوم في خطبته بحفل تكريمه لم يكن زعيما من الهنود الحمر لكنه آمن بمشروع يشبه النار التي تشعل بجبل الجليد وقرر أن يستمر وأصبح الجميع يحتفي بانتصار معركته بالدفاع الوجود الوطني لكل انسان ولد وسيولد على هذه الأرضومن اللافت للنظر أن الحاضرين بحفل تكريمه بجائزة أديان للتضامن كانوا بلغات متعددة وأديان وقوميات مختلفة
ربما لم يمنحنا القدر باللقاء بهم لكن سعد سلوم المؤسسة الجامعة لكل الألوان منحنا فرصة أن نرى اللون المختلف ونختلف معه لكننا نألف حضوره لا سيما تحت ظلال نخيل عراقي تلك المؤسسة التي حفظت الذاكرة العراقية من التلف فداخل المكان يرى أنه يزور ماضيه ويحافظ على حاضره من التشظي ففكرة المؤسسة مستمدة مشروع يعزز الهوية الوطنية. استطيع القول إن البلاد التي تتغلب على واقعها المأساوي وأزمة هويتها عبر ادراك المشترك الانساني عندما يتمّ تفعليه وتطوير وسائل حضورنا الحي فيه، نتحرر من عقدة الانغلاق معاً ، والدكتور سعد سلوم ببحثه ومؤلفاته وحضوره الحيّ يحفزنا على الايمان العنيد بهويتنا الوطنية .