17 Sep
17Sep


د. محمد القريشي
بعد جدل واسع حول تعريف مفهوم "رجل الدولة" ، تناول الباحث الإسباني  فابيو بارديرو هذا الموضوع بالاستناد إلى ما ورد في قاموس بلاكويل للعلوم السياسية, والتوافق مع النظرية النفعية في السياسة عند بنتام.

فبحسب القاموس: “رجل الدولة هو من يُنظر إليه على أنه أقل خضوعًا للمصالح الفئوية وأكثر التفافًا حول خدمة الصالح العام.”

أما بنتام فيرى أن: “القرار السياسي الصائب هو الذي يحقق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس، وأن السياسة ليست نشاطًا تجاريًا بل خدمة عامة والتزام مطلق تجاه المجتمع.”


وانطلاقًا من ذلك، توصّل الباحث إلى توصيف علمي لمفهوم رجل الدولة، وهو:القائد الذي   

  •     يصل إلى السلطة عبر الوسائل الديمقراطية،     •     يحافظ على حدود الدولة وسيادتها،   

  •     ويتخذ قرارات أخلاقية تستهدف تحقيق خير عام أوسع.


وفقًا لمفهوم “الرداءة السياسية” (médiocrité politique) الذي يكثر  استخدامه  في الأدبيات السياسية الفرنسية لتقييم أداء السياسيين، والمتمثل في انحراف السياسة عن معناها النبيل، حين تتحول إلى مجرد لعبة مصالح ضيقة قائمة على المناورات والحسابات الانتخابية والتحالفات الظرفية، بدل الانشغال بالقضايا الكبرى التي تهم المجتمع، يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات للأداء السياسي في إدارة الدولة:   

  1.     المستوى الأعلى: رجل الدولةوهو حين يرتقي السياسي إلى مستوى استثنائي من الكفاءة والعمل المخلص من أجل الأجيال القادمة، مقدّمًا مصلحة بلده على مصلحته الخاصة ومستقبله السياسي. في هذه الحالة يكون دافعه الأساسي تطلعه إلى العظمة وسعيه لاحتلال موقع مشرّف في تاريخ بلده والعالم.    

 2.     المستوى الاعتياديويمثّل السياسي الذي يعمل بكفاءة وإخلاص، لكنه يوازن بين خدمة بلده وخدمة مصالحه الخاصة. دافعه الأبرز هنا هو الفوز في الانتخابات المقبلة وتحقيق تقدم في مساره السياسي والإداري.  

   3.     المستوى المنخفض: الرداءة السياسيةوهو أدنى درجات الفعل السياسي، حيث تتراجع الكفاءة والقيم معًا. في هذا المستوى يصبح السياسيون عاجزين عن تقديم رؤى عميقة أو حلول فعّالة لمشكلات المجتمع، وينشغلون بالصراعات الجانبية والمصالح الضيقة.وتتجلى هذه الرداءة في:


        - سطحية الخطاب: 

الاكتفاء بالشعارات الرنانة بدل تقديم برامج حقيقية. 

    - الانتهازية: السعي وراء المكاسب الشخصية أو الانتخابية على حساب المصلحة العامة.     - ضعف الكفاءة: العجز عن إدارة الملفات الكبرى أو اتخاذ قرارات استراتيجية.   

  - تراجع الثقة: عندما يدرك المواطنون أن السياسيين أدنى من مستوى تطلعاتهم، فتترسخ أزمة ثقة بالمؤسسات.


وبذلك يتضح أن التمييز بين الأداء السياسي الخائب والمفيد يرتبط جوهريًا بقدرة الفاعل السياسي على تجاوز المصالح الضيقة نحو خدمة الصالح العام.

 فـ”رجل الدولة” لا يُقاس فقط بمهارته في إدارة السلطة أو نجاحه في الفوز بالانتخابات، بل بمدى التزامه بمسؤولية تاريخية وأخلاقية تجعل من السياسة أداة لتحقيق الخير العام وتعزيز ثقة المجتمع بمؤسساته. 

وفي المقابل، فإن الرداءة السياسية بما تحمله من سطحية وانتهازية وضعف في الكفاءة تظل عاملًا مهددًا للدولة والمجتمع معًا.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن