12 Jul
12Jul


د. موج يوسف - ناقدة

ربما العنوان يوحي بالعمومية عن واقع العراق السياسي بعد 2003 والذي أراه امتدادا لحقبات سابقة لأسباب سابينها فيما بعد.

كتب المختصون في الشأن السياسي العراقي عن أزماته ومشكلاته وبعضهم وضع رؤية استراتجية لحل أزمات الدولة وصناعة قرار يحفظ سيادتها لكن يبقى التنفيذ هو حلم يزور صاحبه ولايتحقق، وهنا اتحدث عن قراءتي للمخلص التنفيذي الذي قدمه ملتقى بحر العلوم للحوار بموسمه الخريفي لعام 2024 وكان بعنوان ( دور العراق في النظام الدولي الجديد من منظور عراقي التحديات والفرص ) ولكلمة( الحوار) التي حددها الملتقى عتبة نصية مهمة لا يمكن تجاوزها تنطلق من السؤال التالي: ما مشكلة العراق السياسية وأزمة النظام ؟ أقول ببساطة هي أزمة حوار، ومن يطالع ما يتفوه به سياسيو البلد وقيادته سيجده كلاما لا يمت للحوار بصلة صراخ مستمر واتهامات متواصلة ولم يستطيعوا خلق حوار يجلس على طاولته ممثلو الشعب العراقي لوضع قانون ودستور وعقد اجتماعي يتلاءم مع المتغييرات الجديدة ويصنعون خطابا يمثل العراق وسياديته خارج حدوده، اذن ما الذي نفقده منذ 2003 إلى يومنا هذا هو ( الحوار والخطاب) وما اعنيه بالخطاب الذي يستند إلى العقل والرؤية وليس الخطابات التي يقودها الجيوش الالكترونية في منصات التواصل وهي تصنع الترند المؤثر على القرار السياسي أو هو من يسير الحكومة وفي هذا الشأن الكثير من النماذج التي استطاعت أن تقلب توازن الحكومة بشقيه السلبي والايجابي ( الحوار والخطاب ) هما ميزتان لكل دولة وبفقدانهما تعم الفوضى في أي بلد. ولذا كم ملتقى للحوار نحتاج كملتقى بحر العلوم؟ ولأنّ ميزة الحوار هي الكشف عمّا يفكر به العقل وسنلاحظ في المخرجات الموجودة في المخلص التنفذي أنها لو طُبقت سوف تنهض بالعراق وتعلاج أمراضه ونقاط مقترحة كالتالي :

 1 . اعادة بناء الرؤية الاستراتيجية العراقية ( تطوير مفهوم المصلحة الوطنية ، التحول من ردود الفعل الدبلوماسية إلى سياسة خارجية استباقية) 

2 . تعزيز المكانة الاقليمية للعراق ( وجود قرار سياسي مركزي موحد، بناء مؤسسات دبلوماسية مرنة ومحترفة تأسيس مراكز دراسات استراتيجية مستقلة)

3 . تحقيق التوازن بين القوى الكبرى ( تبنى صيغة تعدد الشراكات بدلا من التبعية لمحور والانخراط في منظومات دولية متعددة)

4 . تفعيل القوة الناعمة العراقية ( توظيف التنوع الثقافي الديني للتأثير الخارجي، دعم المجتمع المدني والمؤسسات التعلمية والاعلام) هذه المقترحات الاربعة التي تقوم عليها الدول وهي مفقودة في بلد كالعراق وهو مؤشر خطير أننا فقدنا مفهوم الدولة وعلينا استعادتها وأولها تنفيذ هذه الاساسيات لكن ما العائق ؟

هناك خلل بنيوي كبير منذ بداية تأسيس النظام العراقي بعد 2003 وأوله من وجهة نظري إننا لا نملك قادة دولة وكل من مروا وحكموا البلاد سياسيون وليسوا قادة لأن القائد يستند على قرار ويحدد مصير الدولة من دون تأثير عليه ولا يكون تابعا لجهة معينة ، والعراق بكلّ مرّ به من أزمات لم يكن شريكا بل كان تابعا لدولة ما أو جهة ما ، والأمر الأهم أن ساسيين العراق يتحركون وفق أهواء الجماهير ومن يتأمل الشخصية العراقية سيلاحظ انفعالها وحدتها وعاطفتها المتقلبة والمزاجية واشير إلى أمر مهم في كتاب سكيولوجية الجماهير لغوستاف لابون عند حديثه عن عاطفة الجمهور وأخلاقياتها قائلا : سرعة انفعال الجماهير وحركايتها ونزقها . الجمهور هو لعبة جميع المحرضات الخارجية ويعكس التيارات المتواصلة والدوافع لا شيء مدبر مسبقا عند الجماهير .

ويقول : تتم السيطرة على العقل الباطن على الجمهور واختفاء الحياة الدماغية وهيمنة الحياة النخاعية وانخفاض الذكاء والتحول الكامل في العواطف . ولو دققنا بما يفعله الجمهور العراقي بأمور كثيرة ومن بينها : يطالب بالتوظيف والتعين بمظاهرات لكنه لا يطالب بتعديل اقتصاد البلد والاعتماد على موارد اخرى غير النفط كما أشارات محاضرات المخلص التنفيذي وتدار المظاهرات بالجيوش الالكتورنية .

يتم اسقاط لكثير من الشخصيات عبر الجمهور الذي تنطلق الشرارة الاولى من مواقع التواصل وأمور كثيرة تثبت الغاء العقل وتفعيل العاطفة .

وهنا تظهر لدينا مشكلة وأزمة حقيقية هي أن الجمهور بعاطفته يسيطر على القرار السياسي. وهذا يتطلب أن يوضع في طاولة ملتقى بحر العلوم والملتقيات الاخرى وحتى المؤسسات التعلمية التي لم تأخذ دورها الحقيقي في صناعة الوعي والتفكير الناقد وهذا مرّده إلى انعدام الرؤية الاستراتجية في التعليم والتربية وقد اشار محاضرو المتلقى إلى دور التعليم لأن بتفعيل دوره سوف تتصدر الكفاءات بصناعة الرأي السياسي والاقتصادي والثقافي وسوف تتغير عقلية الاجيال الشابة من الاحباط والمهارات المعدمة والتفكير المحدود إلى اجيال تفكر بصناعة المستقبل واشير إلى قضية مهمة وهي النصف الاول من العنوان أننا نعيش في الماضي ولدينا داء الحنين ففي كل موقف غير موفق يستحضر الجيل الجديد قيادة البعث كنموذج مهم فضلا عن السجال المستمر في قضايا التاريخ وشخصياته والدول تُبنى بالمستقبل وتوظيف التكنولوجيا وغيرها .

الاعلام وهي النقطة الاهم الموضوعة في مخرجات المحاضرات قبل كل هذا هل نملك اعلاماً بالمعنى المهني للاعلام؟

من وجهة نظري أنا اخجل من اعلامنا عندما يرسل لي أحد الاصدقاء العرب مقعطا عن ضيف او حوار بين اثنين في السياسة؟ انعدام الخطاب المهني وتصدير الشخصيات التي لا تملك الوعي او الرؤية وكل قناة تابعة لجهة معنية تقصي الجهة الاخرى وتسب وتشتم هو ثيمة الاعلام الحالي بالعراق وأقول : إن الثقافة الشعبية يصنعها الاعلام والدراما والمسرح والصحف والبرامج لذا عندما نرى انعدام أو محدودية الثقافة عند الجمهور العراقي وانعدام الذوق ودخول سلوكيات غريبة علينا أن لا نستغرب .

الاعلام هو من يصدر هوية البلد وخطابه يمثل الدولة لذا من الواجب النهوض به عبر مؤتمرات وتوظيف أهل الاختصاص . لكن كل هذا لا يتم لوجود خلل بنوي كما وصفه الدكتور ابو الشون وهو غياب الاستقرار السياسي الانقسامات الطائفية الفساد المالي والاداري.. غياب الرؤية الاستراتجية تدهور التعليم.....

وهذا يجعلني أن أرصد قضية نفسية تسيطر على عقل العراقي هو نظرية الضحية وأننا ضحايا وهناك مؤامرة خارجية على العراق تريده أن يكون هكذا ضعيف سياسيا واقتصاديا وتعلميا وحتى ثقافيا لذلك هو محبط دوما وعقله مصاب بخمول ولوعملنا على تحريره من النظرية الدوغمائية يعاد العراق إلى موقعه الحقيقي .




تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن