20 Jul
20Jul


سكان العراق افتراضا هو 40 مليون فأنا لا أثق بالاحصائيات الحكومية. 

ومن هولاء لدينا ما لايقل عن عشرين مليونا من المحللين الأمنيين والعسكريين الاستراتيجيين الذين لم يستطيعوا تحليل الحروب العراقية منذ عام 1980 حتى الآن. 

لكنهم يستطيعون تحليل الحرب الاسرائلية- الإيرانية بكل ثقة ومعرفة واستشراف وهمي لا يستند على الوقائع بقدر ما يستند على النوايا، الخبيثة منها والطيبة . 

يستطيعون ايضاً تحليل الكوارث في العراق وآخرها كارثة حريق الكوت ، وهم يملكون من القدرات الإخبارية والنظريات ما يمكن بها بناء دولة حديثة متكاملة في الوهم الشائع الذي يفترض أنهم يمتلكون كل القدرات الضرورية .

قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كان هناك اختصاص . 

في الصحافة مثلا ، فالكتاب الصحفيون مختصون بالتحليل وإبداء الرأي والقراء مختصون بالقراءة ، فهم اما أن يقتنعوا او لا.

 اليوم من حق أي فرد ان يبدي رأيه ويحلل طالما انه يمكنه ذلك عبر الفيس بوك والوسائل الأخرى ومنها الفضائيات المنتشرة بلا معايير ولا قيم مهنية ولا التزام بالقوانين او الحس العام او الفطرة السليمة التي تسمى بالإنجليزية Common Sense التي تكون مسؤولة عن حفظ النظام الأخلاقي العام في السياسة والاجتماع والوطنية والمنطق السليم  ، حتى ان شخصا مثل ترامب استشهد بال Common Sence في حملته الانتخابية وتخلى عنه بمجرد مباشرته منصبه.

 الديمقراطية السائدة في أوروبا وبعض دول العالم هي الأخرى تخلت عن هذا المفهوم وما يترتب عليه من ّسلوك بعد ان حكم مخمح سلوكها في داخل بلدانها منذ ان كتب المفكر والثائر السياسي البريطاني توماس بين كتابه المعروف The common Sence بعد ان شارك في الثورتين الأمريكية والفرنسية وساهم في صياغة أفكارهما.

كثير من العراقيين يكتبون عن الفساد ويساهمون في نشر فضائح الحكومة والبرلمان والقضاء والإعلام والسياسة والاقتصاد والمجتمع ثم يشعرون بالراحة لأنهم فعلوا ذلك. 

ولا تفوت العراقي كلمة قالها شخص حتى لو لم يكن لها معنى او خبر حتى إذا كان ملفقا او كاذبا دون ان يكتب منشورا عنه ، وكأنه معني بإدارة العالم والقطبين الجنوبي والشمالي .بالطبع هم يعتقدون ان الدافع هو وطني. ولكن هناك شوائب في هذا الشعور . 

وهذه الشوائب هي مثل ترسبات ما قبل الرأسمالية في الرأسمالية نفسها ومثل ترسبات ما قبل الاشتراكية في الاشتراكية نفسها . 

فالتراكم الأيديولوجي لا ينتهي بمجرد ما ينتهي الصراع الأيديولوجي كما يقول بليخانوف. 

وهذا ما يحدث في العراق منذ عشرين سنة حتى الآن.انتهت الحرب العراقية - الإيرانية قبل 37 عاما ولكن صراعها الأيديولوجي لم ينته بعد ثماني سنوات من هيجان الأغاني والهوسات والمصطلحات واستخدام اسوأ مافي التاريخ من مخلفات وعداوات وأحقاد عنصرية وطائفية وأكاذيب إعلامية وكراهية دينية عملت مجتمعة على قتل المنطق السليم والوطنية المستقيمة ، الواقعية والعقلانية. 

في كل دول العالم لايستطيع عراف او فلكي ان يبشر بخراب البلد واندلاع الحروب عليه وتدميره إلا في العراق ، حيث يتحول هذا العراف إلى محرض ومهدد لأمن البلد وماتبقى فيه من استقرار نسبي  حتى يبدو التوقع الفلكي برنامجا مخابراتيا للتبشير بالخراب او الحض على التخريب .

ومن  المستهجن اكثر هو ظهور القطعان تسير وراء هذا التحريض وتتبناه وكأنه حقيقة واقعة خاصة وأنه ( صناعة)تافهين وطار ئين على الأفكار والآراء التي حولوها إلى مسخرة من الخبل والضعة. وهذه الترسبات هي ما تبقى من نظام الديكتاتورية والإستبداد والظلم والأحقاد والكراهيه والضغينة  والنعرات العنصرية والطائفية والأيديولوجية والبحث الدائم عن الاعداء التي بدأها نظام البعث منذ عودته إلى السلطة عام 1968 وكرسها في حملته عام 1978 ضد حلفائه الشيوعيين وطورها وعمقها وحولها إلى سياسة يومية خلال ثماني سنين من الحرب ضد ايران . 

إنها ترسبات ثقافية لم يستطع النظام الحالي بوصفه نظاما ديمقراطيا التخلص منها والقضاء عليها وفي بعض الأحيان يصاب بها ويعيد إنتاجها بطريقة وأخرى .

انها ترسبات تاريخيّة . فالعنصرية العربية مختلطة بالطائفية ومندمجة بالتعصب والجهل والعاطفة المريضة. وفي خضم هذه الحالة يفقد القانون هيبته وقدرته فلا يوجد بلد في العالم مهما كان صغيرا او ضعيفا لا يطبق القانون والدستور  . 

ولا ننسى دور الفضائيات العراقية والعربية داخل العراق وخارجه فهي تشن حروبا سياسية وإعلامية ونفسية وثقافية ضد العراق من قبل نواب ووزراء وسفراء ودرجات خاصة ومذيعين ومقدمي برامج ويحرضون ويهددون ويبشرون بانقلابات وتدخلات خارجية ويؤيدون أعداء العراق الذين يحاربونه ليلا ونهارا  ، قبل طلوع الشمس وبعد غروبها ، دون ان يطالهم القانون ويضع حدا لحروبهم هذه ضد العراق وشعبه ووحدته الوطنية المطلوبة لإبقاء الصراعات القومية والطائفية والمناطقية والحزبية مشتعلة ومؤثرة.

 يبدو العراقي معنيا بإدارة شؤون العالم فلو قال احدهم ان الجيش الأمريكي خلال حروبه مع الأباتشي أقام  حصونًا للقضاء على قبيلة الأباتشي، ونشر 5000 جندي في عام 1886 لحصار جيرونيمو. 

فان العراقي سيهتم بالحصار والمعركة ويناقش فيما إذا كان العدد خمسة آلاف او اقل او اكثر ويثير الخلاف والجدل مع تاريخ بعيد عنه  ، وستجد المثقف العراقي ، المدني او العلماني غير الموجود أصلا ،  او القومي او اليساري غارقا بالطائفية سرا وعلانية وتصريحا او تلميحا فيصف الهنود الحمر بالتخلف والهمجية كما صورتهم أفلام الكاوبوي الأمريكية .

وحين اصبح لكل فرد موبايل بكاميرا فيديو لم تبق أكلة تعجبه إلا صورها وشرح مكوناتها واستجدى اللايكات علنا طالبا الصلاة على النبي قبل ذلك رابطا  بشكل تبشيري، بين الطبخ والصلاة .ولم يبق فرد يفهم بالجنس إلا وقدم نصائحه عبر الفيديو مستجديا اللايك والصلاة على النبي ولم يبق فرد دخل مطعما إلا وصور طلبه وهو يأكل ولم يبق فرد يسير في شارع إلا وصور نفسه . 

وبما ان الناس يدفعها الفضول ، الذي يعرّف بانه عاطفة فان المجتمع العراقي غارق في خضم العواطف الهائجة والمتناقضة التي تديم الخلافات والصراعات وتنشر الابتزاز عبر مفردات مبتذلة لتقسيم العراقيين على دول الجوار حسب تلك العواطف السياسية والعنصرية والدينية والطائفية .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن