جاء ذكر المملكة العربية السعودية في استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2025، في حين غاب ذكر العراق.
ويعود ذلك، بدرجة كبيرة، إلى وضوح دور السعودية من حيث وحدة القرار السياسي وقدرتها على التفاوض وتمثيل الدولة بوصفها فاعلًا متماسكًا.
في المقابل، يمكن تفسير غياب العراق بعدة عوامل أو احتمالات، من بينها تراجع أهميته النسبية واستقرار واقعه السياسي (بما يتضمنه هذا الواقع من مظاهر الفساد وتقزّم الدولة وتعدد مراكز القوى وغير ذلك).
في العقل السياسي الأميركي، تحوّل العراق من ملف "استراتيجي" إلى ملف "إداري/تشغيلي", وبعبارة أدق، انتقل من كونه ملفا مركزيا مقلقا أو مفيدا (كما كان عليه الحال بعد عام 2003) إلى ملف يُدار ويُناقش في الحلقات المتوسطة أو الخلفية داخل الدوائر المعنية، ولا سيما بعد تراجع قوة إيران وتأثيرها الإقليمي.
تتردد في الخطاب السياسي العراقي مقولة مفادها أن "العراق مهم جيوسياسيًا واقتصاديًا وتجارياً". وهذه المقولة صحيحة جزئيًا وخاطئة جزئيًا في آنٍ واحد؛ إذ إن الدول لا تكتسب أهميتها بما تمتلكه من عناصر كامنة أو "عوامل مُعطَّلة", بل بالأدوار الوظيفية التي تؤديها في محيطها الإقليمي والدولي.
فدول الخليج، على سبيل المثال، هي اليوم أكثر أهمية من العراق الذي لا يشكّل (حاليا) مركز قرار إقليمي، ولا بوابة طاقة بديلة كالخليج، ولا قوة ردع، ولا عقدة رئيسية في شبكات التجارة والنقل العالمية، ولا يمتلك قوة ناعمة مؤثرة كما هو الحال في دول مثل عُمان وقطر.
وفي هذا السياق، نستذكر محاضرة قدّمها رئيس فنلندا في حزيران الماضي أمام طلاب جامعة طوكيو، استعرض فيها عناصر قوة بلاده، قائلاً:«فنلندا دولة صغيرة، لكنها تمتلك ثلاثة أنواع من القيمة المضافة لشعبها وللعالم: أولها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ( ومن مخرجاتها احتلال فنلندا المرتبة الأولى عالميًا في تصنيف السعادة للعام الثامن على التوالي، والمرتبة الثانية في مؤشر النزاهة، وهي عناصر تقدير في المجتمع الدولي )، وثانيها نفوذها الدولي عبر القوة الناعمة، من خلال الوساطات في حل النزاعات الدولية ورفع قدرات الشعوب، وثالثها، الشراكات الاقتصادية والتحالفات مع الدول الكبرى التي تشاركنا القيم نفسها».
ويُظهر هذا المثال أن أهمية الدول في النظام الدولي المعاصر لا تُقاس بحجمها أو مواردها فحسب، بل بقدرتها على تحويل إمكاناتها إلى أدوار فاعلة وقيم مضافة ملموسة.
د. محمد القريشي