13 Jul
13Jul


يُقال إن الصيادين في الجاهلية كانوا يستخدمون الحبال للإمساك بالصيد، بينما كان النبّالون يصيدون بالنبل (السهام)، فإذا اجتمعوا واختلطت أدواتهم، تعذّر التمييز بين من أصاب ومن أخطأ.

وهكذا حالنا اليوم مع العمل السياسي: حين يعمّم الناس أحكامهم السلبية على كلِّ من يدخل هذا المعترك، وينظرون إلى الجميع وكأنهم سواسيّة في الفساد والتقصير، فإن الحابلَ يختلط بالنابل، وتضيع الحقيقة بين الأيدي.


لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن هذا الاختلاط؟الجواب، أن المسؤولية موزعة بين الجميع.المسؤول الأول هو من يمارس العمل السياسي بلا وضوح، فيخلطُ بين مصالحه الخاصة ومصلحة البلد، ويستّغل موقعه لمآرب شخصية أو فئوية، فيُفسد المعنى النبيل للسياسة ويمنحُ الناس سبباً للشك.

والمسؤول أيضاً هو من يختزل المشهد ويصبّ اتهاماته على الجميع دون تمييز، من إعلامٍ ومؤثرين، فيصوّر كل مسؤول فاسداً وكل مشروعٍ مشبوهاً، ويحوّل الشك إلى قناعة عامة تلتهم كلَّ بارقةِ أمل، ولا سيّما مع صمت النُخب.وحين تصمتُ النُخب عن توضيح الحقائق، يزداد التشويش ويتحوّل الشك إلى حكمٍ قاطع، ويغدو كل شخص متهماً حتى يثبت العكس.هكذا يفقد الناس ثقتهم بكلِ شيء: بالدولة، بالقوانين، وبالقدرة على الإصلاح.


كم من مسؤولٍ حاول أن يقدّم مشروعاً إصلاحياً، فحُوصر بالشائعات حتى انكسر؟ وكم من فاسدٍ اندّس بينهم، فحَمل الجميع وزره؟ كم مرةٍ شاهدنا إصلاحاً يتعثر لأننا صوّبنا السهام على اليد التي امتدت للبناء بدل أن نراقب اليد التي تسرق؟كيف ننتظر إصلاحاً ونحن نصدر أحكاماً مسبقة على الجميع، وكأننا معصومون عن الخطأ؟
إن التعميم الجارف لا يُنصف أحداً، ويغدو نوعاً من الإلغاء الذي يقوّض الثقة بالدولة ويدفعُ المسؤولين إلى قرارات مرتجلة لا تتلاءم مع الواقع ولا تخدمُ الشعب.

وهنا يُحسن بنا أن نستذكر قول السيّد المسيح عليه السلام: «من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها أولاً.» فالحكمة نفسها تنطبق على العمل العام: مَن كان منزّهاً عن الخطأ، فليبدأ برمي الحجر، أما الآخرون فلينظروا إلى أنفسهم قبل أن يحكموا على غيرهم.

فلا تستقيم الأوطان حين يصبحُ الجميع في قفص الاتّهام، وحين يتحول البحر كله طيناً بفعل نظراتنا المتسرعة، ستكون غايةُ جهدك أن تجد لنفسك مكاناً فيه من دون أن تُغرِق جارك.

إذا أردنا لوطننا أن ينهض، علينا أن نفرّق بين الحابل والنابل، نمنح ثقتنا لمن يستحقها، ونحاسب من يسيء بإنصافٍ وعدالة.
#ثقافة _الالغاء

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن