22 Dec
22Dec


منتصر صباح الحسناوي
خلال اليوميّن الماضيين، دخل ملّف حصر السلاح طوراً مختلفا، قرارات أعلنتها فصائل عراقية بالتخلّي عن السلاح خارج إطار الحكومة أعادت ترتيب المشهد بوصفها لحظةً طال انتظارها.

 ما جرى ينسجم مع مسار الدولة أكثر مما يبدو حدثاً منفصلا، ويتقاطع مع توجهات ظلّت لسنوات مطويّة على الهامش.


إنصافاً، يفرض هذا التحوّل إعادة وضع موقف السيد السيستاني في سياقه الأوسع، بوصفه أثراً تراكمياً رافق الدولة العراقية منذ تشكّلها الجديد بعد  2003، ظلّ سؤال القوة حاضراً في العمق حتى عندما لم يُسمَّ صراحة. 

قوة بمعناها العملي: من يملكها، ومن يضبطها، ومن يتحمّل تبعات استخدامها.


في تلك السنوات، اتّجه خطاب المرجعية نحو تثبيت فكرة الدولة بوصفها الإطار الجامع، بعيداً عن منطق التنافس بين قوى متجاورة. 

دعمُ الدستور والدعوةُ إلى النظام العام والتأكيد المتكرر على احترام القانون، جميعها كانت تصبّ في اتّجاه واحد، عبّرت عنه المرجعية بوصف الدولة المرجع الأعلى في إدارة الشأن العام.


ومع اتّساع رقعة العنف الداخلي، تغيّرت صورة السلاح في الوعي العام، وبات مؤشراً على اختلال أعمق في بنية المجتمع. 

في تلك المرحلة جاءت مواقف المرجعية حاسمة في رفض الفتنة والانجرار إلى العنف الأهلي والتحذير من الانقسام والدعوة الصريحة إلى ضبط السلاح وعدم استخدامه خارج إطار القانون.

 كانت التوجيهات واضحة في أكثر من خطبة: قوةُ الدولة وحدها القادرة على حماية المجتمع، أما تعدّد مصادر القوة فيفتح أبواباً يصعب إغلاقها.
عام 2014 شكّل اختباراً قاسياً لهذا المسار، الخطر الوجودي الذي فرضه تمدّد دا١عش استدعى استجابةً استثنائية، ونداء الدفاع الكفائي فتح باب الضرورة. غير أنَّ هذا الباب ظلّ مشروطاً بسياقه، مضبوطاً بحدوده،فمنذ الأيام الأولى للفتوى جرى التأكيد في بيانات وخطب متعاقبة على الانضباط، واحترام القيادة الرسمية، وعدم تحويل الاستجابة الطارئة إلى واقع دائم خارج مؤسسات الدولة، الدفاع كان موجّهاً لحماية البلاد، لا لإعادة تعريف مركز القرار.


بعد تضحيات كبيرة وجولات من البطولة وانحسار التهديد العسكري، عاد المعنى إلى الواجهة بوضوح أكبر. 

السلاح خارج الدولة صار يُشار إليه بوصفه عائقاً أمام إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة، ومصدراً دائماً للتوتر. في هذه المرحلة، اتّخذ الخطاب طابعاً توصيفياً لأزمة بنيوية تتعلّق بازدواج القوة وتداخل المرجعيات،
السنوات اللاحقة شهدت تثبيت هذا الموقف في خطاب متكرر للمرجعية، ربط بين حصر السلاح وهيبة الدولة، وبين ضبط القوة وحماية الدم العراقي، وبين الإصلاح الحقيقي وإمكانية الانتقال من منطق الضرورة إلى منطق الدولة.

 لم يكن الخطاب تصعيدياً بقدر ما كان تراكمياً يذكّر بالأصل كلما طال الاستثناء.


القرارات الأخيرة جاءت لتُعيد قراءة هذا الأرشيف من زاوية جديدة.

 ما طُرح مبكراً، وتكرّر بصيغ مختلفة في خطب وبيانات امتدّت لسنوات، يجد اليوم فرصة ليغادر خانة التنظير نحو التطبيق.ومع ذلك، فإنَّ قراءة هذه اللحظة لا يمكن وصفها كاستجابة مباشرة لنداءات المرجعية وحدها،  فهي أيضاً تأثرت بعناصر"فالمتغيّرات الإقليمية، وحالة الاستقرار الأمني، وتحوّلات الحسابات السياسية" أسهمت في جعل ما كان مؤجَّلاً قابلاً للتنفيذ، بعد أنَّ ظلّ طويلاً في حيّز المعنى أكثر من حيّز القرار. 

في أرشيف الدولة العراقية، ستُسجَّل هذه اللحظة امتداداً لتراكم فكرة واحدة ظلّت ترافق التحوّلات: دولة بمرجعية واحدة، وقرار واحد، وقوة تخضع لإطار جامع. فكرة بسيطة في لغتها، ثقيلة في تاريخها ومفتوحة على زمن يحتاج إلى صبر أكثر من حاجته إلى شعارات.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن