05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
12 May
12May



١-حين تقلب صفحات الزمن البغدادي ستجد على كل المقاطع (نجمة أو قمر بغدادي) ..يبزغ ويسطع ..وينعس ويغفويسطع للعالم..ويغفو على نفسه  ..في سخاء يتمدد مع شعاع الشمس.. وفيضان دجلة..وتسبيحة باب المراد..وكرم نخيله ..وبريد  ضفادعه..وهدير جواهريه ..ل(يريك العراقيَ في الحالتين ..سخياً في شحه والندى)..لتزيد شهرزاد ليلة أخرى الى لياليها على امتداد الخيال..في سهرة(قلب العالم) ..بنسخته العراقية


٢-في بغداد دروب.. دروب للمحبين والمشاة والزائرين والفقهاء والشعراء  ..والسحر والجمال..وأم القيمر ..وأم سبع عيون ..وابي نؤاس ..وبهلول..وبشر الحافي..وياقوت الحموي..وسيد ادريس..والشافعي والحنفي والحنبلي وموسى الكاظم..وكلهم (يتبغددون )في ترفهم وصبرهم وصلاتهم..ومشيهم ..وحياتهم وموتهم..ولله في خلقه أسرار ٌ وأسرارُ..


٣-مرت على بغداد مواسم ..للقحط.. ومواسم للعذاب ومواسم للمرض ومواسم للفيضان..ومواسم للالم ..ومرت ومرت..دون ان تسقط (بغداديتنا) ..أو تسلب عفويتنا ..أو تكسر هشاشتنا..أو تكبل أيادينا..أو تخرجنا من بساطتنا..أو تمنعنا من اللهو ..والمقاهي ..والمربع..والجالغي.. وشموع خضر الياس .. وسوق السراي ..وشارع المتنبي ..والحديث مع النجوم على سطوح المنازل .. وزيارة باب الحوائج ..وتعلم اصول القراءة والتجويد والترتيل بطور بغدادي يزاحم الالحان ..والاحتفال بالمولد النبوي الشريف ..


٤-من هنا مر الغزاة والعتاة والمحتلون والسفاحون والقتلة والظالمون..وكانت (قلوبهم)متشابهة ..وخناجرهم متشابهة  ..وحبالهم متشابهة ..وسجونهم متشابهة ..ومشانقهم متشابهة ..كانوا يريدون (سجن بغداد وسحل بغداد وشنق بغداد ..وكانوا وكانوا..)..ومر الليل والصباح.. على شبابيك بغداد بقسوة تشقق الصخور ..وحسرة تفتت الجبال..وماتوا ومتنا..ولكن الله أحياها ربما (لخاطر قلب بغدادية…) ولكي لايموت التبغدد (ويمشي في الدهاقين)..ولان بغداد من صنف الكواكب التي لمعت في عيني يوسف من بعيد..للحب والغيرة والحسد..وشيبة يعقوب ..و قلب زليخة الممطر من الغيث والسنابل..


٥-الآن..نحن هنا..قالها أحد الاعلاميين (لقمة بغداد) على طريق المطار ..وهو  يتكلم عبر الهاتف مع أحدهم..وراح دون شعور يمرر كفه على قلبه ..ربما أراد أن يقول نحن هنا في (القلب)..أو ربما أراد أن يمسك قلبه لكي لايطير مع  (بساط بن فرناس)..وربما تمنى امنية ..وهو يقترب من قباب بغداد التي لاحت له من الطائرة ..وربما وربما تفتح الاحتمال على أقفال كثيرة ..ثم أعادها ثانية (الان ..نحن هنا) واعتذر للكاتب الكبير(عبد الرحمن منيف).. في سباق المسافات الطويلة..بعد أن اختصر المسافة (الآن..) ولم يكمل عبارته ..ربما لانه وصل ..أو تذكر ..أو رأى ان النية لايجوز الجهر بها…فصمت..


٦-الكوكب البغدادي.. غطس في دجلة الخير ..ليخرج بعدها (سالماً منعماً )..وعليه ثياب من سعف البرحي ..معطراً ببقايا البرتقال العراقي..وهو يبتسم (للنمل ..) على أرصفة بغداد .. وهو يخشى من(جنود سليمان) أن تحطمه ..فقرر (النمل )ان يرحل الى (أقصى القرى) بعيداً عن ضجيج المركبات السريعة ..هناك للنمل..وهنا للعصافير لتنشد (موطني) هذه المرة (أمام كل العرب).. فتبالغ بجودة الابداع ..والزقزقة


٧-دروب فسيحة. ..وجسور واصلة.. ورود زاهية.. وأقمار ونجوم..و(الشعراء والصور..) ..لبغداد فخر..وللعرب كرامة..وتلك سردية الكرخ  في (أذن الرصافة)..أن تشعل شموعها لابناء عمومتها الوافدين الى (دار السلام)..و(الله يدعو الى دار السلام)..والسلام يستحق (البذل) أكثر من الحروب .. ولهذا ولذاك..(الان ..نحن هنا)..


٨-سيقول (الأبرياء).. ماذا تريد بغداد..وماذا ينفعها العرب..ولماذا هذا الاسراف في(الحب والتمر واللبن)..وسيقولون ..فتقول بغداد (ياأولادي..نحن من سلالة سوق عكاظ ..ونخيل هجر..وجبال سبأ.. ومعلقات الكعبة ..وديوان الطائي.. ومسجد قبا..ومدرسة البصرة والكوفة..والازهر والزيتونة..(يخجلنا البخل..ويفرحنا الضيف..)..نحن نتلوا كل صباح(واعتصموا بحبل الله..)..وفي المساء تدعو منابرنا  ب(حفظ بلاد المسلمين)..يا أولادي ..تذكروا الشعار المخطوط على جدران المرقد العلوي  (من جاد ساد..) ..فأنتم أهلها وحلها وعقدها وأنتم (بيدر العرب) ..وأنتم أهل الأربعين..وأنتم يدُ البذل(ولو كان بهم خصاصة)..(قد يأكلون لفرط الجوعِ أنفسهم…لكنّهم من قدورِ الغير ما أكلوا..)


٩-تقول بغداد..(للجدال فقط)..عليك أن تلغي معرض بغداد ..ومعرض الكتاب.. ومعارض التجارة ..ومهرجانات الشعر.. ودورة كأس الخليج..وكأس العرب ..ومعارض الازياء ..ومعرض السيارات وكمال الاجسام..ولك ان تتصور في هذا العالم (بلداً) بلا رياضة ولا فنون ولا سياحة ولاضيوف ولا (خواشيك)..بحجج (مؤدلجة) وتبريرات شعبوية ( تدور في حلقات هامشية) تثير حساسية في الجلد واحمرار في البشرة ..تدفعك للحك رغم تحذير الطبيب ..خشية من شبهة (الجرب) القاسية..


١٠-الى كل الذين (يتتبعون) الاخرين بلا كلل..و(يلاحقون) ولادات المبدعين بلا انصاف..في رحلة العمر سوف لن تجنوا الا النصب ..ولن تحصدوا الا الحرمان ..لان المناجل (مزنجرة) أرهقت من حز رقاب (السنابل الذهبية والخضراء والممتلئة والطويلة والقصيرة)وستكون بقايا الرحلة..في الانحسار والانكفاء من عالم المدينة الى عالم الزقاق أو القرية.. (في زمن مقلوب)للبحث عن صديق قديم ..يشاركك الذكريات ..ويقاسمك الابتسامة بفم بلا أسنان ..على (تخت) خشبي ..هو آخر ماتركته خفارات (الرفاق) الليلية..في مقهى القرية بجدرانه الطينية.. وقد علقت عليه حكمة قديمة..(من تساوى يوماه فهو مغبون)..


عباس الجبوري 

مجلس النواب العراقي

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن