07 Oct
07Oct

كتابة : خالد سفر

  معاينة للدور الذي يضطلع به وزير الشباب والرياضة، الأكاديمي الأنثروبولوجي، الدكتور أحمد المبرقع، في مجال دعم الفنون البصرية عمومًا والمسرحية بشكل خاص يكشف عن مقاربة غير تقليدية تعيد وضع العلاقة بين الفن، الدولة والمجتمع ضمن إطار تأسيسي جديد. فالمبادرة التي أطلقها تحت مسمى (مسرح المضيف) لا تندرج ضمن دعم موسمي أو تظاهري، بل تمثل مشروعًا تأسيسيًا يشتغل على إعادة صياغة العلاقة بين الفضاء المسرحي والفضاء الاجتماعي في سياق عراقي محمّل بدلالاته الثقافية والأنثروبولوجية 

 1- المسرح خارج المركزية: كسر احتكار العاصمة

المشروع ينطلق من الهامش المكاني، حيث استقطب المبرقع مواهب مسرحية من أطراف المدن العراقية، من قضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار أنموذجاً أولياً، وهو ما يُعد قطيعة معرفية مع المركزية الثقافية التي ظلت لعقود طويلة تحصر الإنتاج المسرحي في بغداد وبعض المدن الكبرى، بهذا المعنى، يمكن النظر إلى (مسرح المضيف) كاستراتيجية لتفكيك بنية التمركز الثقافي وفتح مسارات جديدة لإنتاج مسارات جديدة لإنتاج جماليات محلية تحمل ملامح بيئتها الاجتماعية والسياسية.

 2- المضيف كفضاء درامي: من البنية الاجتماعية إلى البنية الجمالية

ما يميز التجربة أنّها لم تُدخل الفضاء المسرحي التقليدي إلى الريف أو الأطراف فحسب، بل أعادت تعريف مفهوم الخشبة ذاته. فالمضيف، بوصفه فضاءً اجتماعيًا عشائريًا وقرويًا، تحوّل إلى بنية مسرحية بديلة تحتضن العرض وتعيد تشكيل علاقات التلقي، هنا ينتفي الفصل الكلاسيكي بين خشبة وجمهور، ويتداخل المجتمعي والدرامي ضمن فضاء واحد، إنّ هذا الخيار يعيدنا إلى أصول المسرح الأولى حيث كان الفضاء العام/الساحة فضاءً للعرض، لكن (مسرح المضيف) يذهب أبعد من ذلك، إذ يستثمر خصوصية المكان (المضيف) بما يحمله من رموز الضيافة، الذاكرة الجمعية، والعلاقات الأهلية، ليعيد إنتاجها جماليًا ضمن خطاب مسرحي معاصر.

 3- الجمالية والسياسة: جدلية الفن والوظيفة 

الأعمال التي تُقدَّم ضمن هذا الإطار لا تنحصر في خطاب جمالي خالص، بل تتناول قضايا اجتماعية وسياسية مناطقية، ما يمنحها بعدًا مزدوجًا: فهي من جهة تؤسس لجمالية مسرحية جديدة، ومن جهة أخرى تفعّل المسرح كأداة لفعل نقدي اجتماعي داخل البنية المحلية. بهذا، يصبح (مسرح المضيف) حقلاً لتجريب مفهوم (الالتزام) بمعناه الجمالي والسياسي معاً، بعيداً عن التلقين الدعائي، وقريباً من اشتباك الفن مع اليومي.

 4- من المبادرة إلى المؤسسة: نحو استمرارية المشروع

الدكتور احمد المبرقع لم يطرح (مسرح المضيف) كتجربة عابرة أو حدثًا تجريبيًا مؤقتاً، بل أعلن عن دورات متتالية (كانون الأول 2026 موعد الدورة الثانية)، ما يحوّل المشروع إلى بنية مؤسساتية قابلة للاستمرارية، هذه النقلة تفتح الباب لتأسيس مدرسة مسرحية جديدة في العراق تستند إلى خصائص المكان والهوية المحلية، لكنها تنفتح في الوقت نفسه على الأسئلة الكبرى للمسرح العربي والعالمي. 

5- أفق نقدي للمشروع 

من منظور نقدي، يمكن القول إنّ (مسرح المضيف) يمثل مختبرًا جماليًا - اجتماعياً يشتغل على مستويات متداخلة: 

•أنثروبولوجي: عبر استثمار فضاء المضيف كحامل رمزي للهوية الجمعية.

 •جمالي: من خلال إعادة تشكيل مفهوم المكان والعرض المسرحي. 

•سياسي/اجتماعي: بطرح القضايا المحلية كجزء من خطاب مسرحي بديل.

 بهذا المعنى، فإنّ المشروع لا يُعيد فقط إنتاج المسرح العراقي خارج المركز، بل يؤسس لرؤية جديدة تُعيد النظر في أبستمولوجيا المسرح وعلاقته بالمكان والجماعة، وإذا ما كُتب لهذا المشروع الاستمرار والتوسع فإنه مرشح ليكون علامة فارقة في تاريخ المسرح العراقي الحديث وربما أنموذجاً يُلهم تجارب مسرحية عربية أخرى تبحث عن فضاءات بديلة وجماليات جديدة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن