03 Aug
03Aug

كتب – عبد العليم البناء 

يصدر قريباً كتاب (الثلاثية الشكسبيرية) للكاتب والمخرج المسرحي العراقي منير راضي ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح، ويأتي صدور هذا الكتاب ضمن المشروع الثقافي والتنويري والطليعي الذي دأبت على اعتماده الهيئة العربية للمسرح بالاتساق مع احتضانها ودعمها ورعايتها للمسرح العربي، بمختلف تمظهرته وتجلياته المتنوعة على صعيد مهرجانات المسرح العربي الذي تقيم دوراته السنوية في عديد العواصم والمدن العربية، بما يتضمنه من عروض مسرحية ومؤتمرات فكرية ومسابقات نوعية تشمل النصوص الموجهة للكبار وأخرى للأطفال، ناهيك عن مسابقات البحث العلمي ومعارض لمنشوراتها االمتنوعة والرصينة لكوكبة كبيرة ونوعية من الكتاب والباحثين العرب، ترجمة لشعارها الأثير والجاد والهادف (نحو مسرح عربي جديد ومتجدد) برعاية ودعم واسناد واحتضان سلطان الثقافة وعاشق المسرح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الرئيس الأعلى  للهيئة العربية للمسرح.

 يضم الكتاب ثلاثة نصوص مسرحية للكاتب منير راضي وهي: (أنا مكبث)، و(شكسبير في جبل الأولمب)، و(أجنة في أرحام شكسبيرية)، وكتب مقدمة الكتاب الناقد الجمالي الدكتور جبار صبري، الذي يوجز قراءته لنصوص منير راضي التي تتماهى وتتقاطع مع بعض نصوص شكسبير برؤية ومعالجة وتنشيط للفعل الدرامي المغاير في أدب كتابة النص المسرحي لتنبض بحيوات أبطال شكسبير وهم يمثلون أمام محكمة العالم السفلي ويدلون بأقوالهم، داخل النص، مما يشكل صيرورة من الدهشة والابتكار. 

حيث يقوم منير راضي في نصوصه بإعادة تشكيل أقدار شخوص وأبطال شكسبير والأحداث التي وقعت وحيواتهم وترتيبها وتشكيل صورتها "بمثل ما نريد، أو بمثل ما وقع حقاً وتم تحريفه، والتمرّد عليه " بشكل مشاكس فني ومغاير، ومجّد للتّكوين الأول لها، ننتفض ضده، نقاوم أسلوبه في التّعبير "، كما يرى الناقد صبري، ويظهر هذا كله من خلال الصياغات التي نسجها راضي بلغة فخمة وبدربة وحرفية وجرأة على إقتحام النص الشكسبيري الذي افتتح آفاقه إلى أبعد مما كائن. ولهذا فهو يجزم "هكذا يبدأ التّنويه هنا بأنّنا سقطنا على خديعة: خديعة من؟ خديعة أنفسنا من أنفسنا ابتداءً، وخديعة من جعلنا ومسار مصيرنا على قدر واحد في مدوّنات التّاريخ." 

وصولاً إلى "تلك البدهيّة التي اعتادت البشريّة جمعاء تصديقها، بل جعلها رمزاً ومثالاً لكلّ حالة من حالات عذابنا: عذابنا الذي لم ينتهِ يوماً ما أبداً برغم جريان وتدفّق مئات السّنين." ويخلص صبري إلى أن "شكسبير طغى، هذا ما يصرّح به منير راضي، مؤلّفاً مسرحيّاً. 

بل أفرط بطغيانه. نعم لقد طغى شكسبير بوصفه: وجّه مسار الأحداث على رغبته ونوازعه. ورسم الكثير من الفخاخ التي ورّطت شخصيّاته الدّراميّة بالجريمة أو القتل أو الشّقاء المجّانيّ.وقلب التّاريخ السّابق بهم إلى تاريخ لاحق عليهم. وأنزلهم قاع الخطيئة. ودمّر سمعتهم. بل الأخطر من ذلك كلّه بقيت خطيئاتهم دائمة الحضور في كلّ وقت وبعد مئات السّنين." 

يلفت انتباهنا صبري إلى أن منير راضي " إلتفت بعد خمسة قرون إلى لحظة عدل من زاوية نظر أخرى، ومرآة تعيد انعكاس صور ضحايا وشخصيّات شكسبير من وجهة منقلبة. تعيد إليها مصيرها من حيث إعادة حقّها في اختيار مسارها وأحداثها من جهة، ومن حيث مصداق تاريخها قبل وقوع إسقاطها في فخّ دراميّة شكسبير الخادعة من جهة ثانية."

 بل ويذهب صبري بعيداً حين يجزم: "كان لزاماً أن ينتفض الكاتب منير راضي إزاء الكاتب شكسبير انتفاضةً من شأنها تغيير وكسر أنماط الصّورة المعذّبة، والتي أرسى تنميطها شكسبير، وتحقيق مغايرة، بل تحقيق انقلاب يقصده المؤلّف منير في مواجهة المؤلّف شكسبير.. إذن، شكسبير متّهم، وإقامة التّحقيق فيما فعله لزم تشخيص محكمة معلنة أو خفيّة: محكمة من شأنها أن تستدعي شكسبير لا بوصفه بطلاً خالداً في التّأليف، بل بوصفه مريضاً ومجرماً عذّب ضحاياه في رسم مصير لهم حطّ الكثير من قدرهم وتقديرهم."

 ويخلص صبري إلى أن "نصوص منير راضي في مواجهة المتّهم شكسبير موجّهات مضادة. موجّهات تعمل على إعادة ترتيب الأحداث لا بما وقعت أدبا دراميّاً شكسبيريّاً، بل بافتراض رفع الحيف الشّكسبيريّ عنها وذلك من خلال:النّظر إليها كشخصيّات تاريخيّة على وفق اعتبارها الصّادق المدوّن قبل تحريفه.

 منح تلك الشّخصيّات فرصة لتحقيق واقعها الذي ترغب به، وهو مصداق لحقيقتها في حراكها أسلوباً وحياةً إبّان أحداثها. تشخيص الخديعة والزّيف الذي لعبه شكسبير في تحديد مسار ومصير تلك الشّخصيّات.إ قامة الحدّ على شكسبير.كسر وتغيير نمطيّة الصّورة التي فرضها على البشريّة جيلاً بعد جيل." 

ويتابع قراءته الكاشفة والمضيئة لتجربة منير راضي المتفردة التي خرجت على الألوف والتقليدي والنمطي في تقديم نصوص شكسبير الأصيلة مستنداً إلى أنه أنّه "وقع على فرض أدلّة يقبلها العقل: عقل القارئ لما حدث، أو حدث بالرّغم من أنف تلك الشّخصيّات الدّراميّة: مكبث، عطيل، لير، هاملت، روميو، ياجو… جاهداً من وراء ذلك إعادة تشكيل الأحداث لا بما أراد شكسبير وقدّم طغيانه في تحديد أطر تلك الشّخصيّات في نصوصه، وفي أرشيف ذاكرتنا الجمعيّة عليه." 

ويوضح لنا صبري الهدف الذي يسعى إليه الكاتب المخرج منير راضي في تجربته النوعية المتقحمة فيرد ماصرح به راض حين أكد له "أريد أن أجد نسخة عربيّة من شكسبير، بقوّة ألفاظه ذاتها، وبمخيلته العميقة المثيرة للعواطف، وبالاستعارات ذاتها، وبالإيقاع الرّائع ذاته، وبيان كشف المستور في بطون التّاريخ الشّكسبيريّ، وبلغة معاصرة مغايرة، تشطح في كسر المألوف والتّقليد الانطباعيّ، يقول البعض إنّ من كبرياء المسرح أنّه لا يستحي من الواقع، أو حتّى يخشاه، بل يذهب وبكلّ ثقة كي يعرّيه ويكشف المستور ."  

ولهذا فإن هذه النصوص وما سيليها من نصوص مستقبلية نظيرة وقد شاهدنا بعضها مجسدة على خشبة المسرح تدعونا لأن نوجه النداء ذاته الذي أطلقه في ختام مقدمته الناقد الجمالي  جبار صبري "تعالوا إذن، إلى شكسبير: إنّه طغى. وتعالوا معاً لنبحر في لغة منيريّة شكسبيريّة غاية في فخامة اللّغة، وجمال الخيال، والصّورة."

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن